الخميس، ٢٠ مارس ٢٠٠٨

يوم الأم...ورياح الخماسين

غدا يوم الأم 21 مارس وهو أيضا بداية فصل الربيع...... بمناسبة الحديث عن الربيع ,كنت أعتقد وأنا صغيرة أنه يجب أن يكون أحلى وأحب فصول السنة......حين كنت أسمع أغنية سعاد حسني"الدنيا ربيع" وأنا صغيرة كانت الصورة التي تحتل خيالي صورة رائعة مليئة بالورود والعصافير والجو الجميل والبهجة والسعادة ...ولكن يبدو أن الفضل في هذه الصورة لم يكن لحقيقة فصل الربيع وإنما لسعاد حسني رحمها الله..... لم أعد أحب فصل الربيع من أعوام كثيرة مضت ...لا أدري منذ متى تحديدا ولكن بمجرد أن يبدأ شهر مارس أبدأ معه في حمل الهم.....رياح الخماسين....التراب والعفرة وسخونة الجو التي لا تنتظر فصل الصيف لتهل علينا بل تبدأ نفحاتها ربما حتى من قبل أن يبدأ الربيع ببضعة أيام...وأشد ما أكرهه في هذه الحياة الحر والرطوبة وطبعا الخير عندنا منهما كثير فقد أصبحت السنة كلها حر ورطوبة ما عدا شهور قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة وهي شهور الخريف والشتاء العزيزين....رحل الشتاء الحبيب وتركني للسلق والشوي وترك جيوبي الأنفية للألتهاب وعيوني للإحمرار وأعصابي للإنهيار.....وكل عام تزداد الحرارة وتزداد الرطوبة عن ما قبلها وكل عام لا أصدق أنني خرجت حية من هذه الفصول الشريرة ....ربنا يقينا عذابها وعذاب جهنم.... المشكلة أني لا أفهم سبب منطقي لإختيار الإحتفال بيوم الأم في نفس هذا التوقيت الصعب.....ربما كان الربيع حقا في وقت ما مضى ربما قبل أن أولد شيئا آخر غير الربيع هذه الأيام......ماعلينا.. مثلي مثل كل القتيات الصغيرات تبدأ حياتنا ليس فقط بالتعلق بالأم – الأولاد يتعلقون بها أيضا- ولكن بالتعلق أيضا بعروستنا الصغيرة....ونظل نكبر وهي في حضننا ....غريزة تولد معنا وتكبر معنا وسبحان من وضعها بداخلنا .. ولكني أكتشفت أن الغريزة وحدها لا تكفي لتكون الفتاة أم جيدة...بل الوعي بهذه الغريزة والوعي بمعنى الأم ودورها ...الوعي بما يجب أن تكون عليه من شخصية وثقافة وأسلوب تفكير وحياة...الوعي بالمعنى والهدف في رسالة الأم ولماذا وضع الله الجنة تحت قدميها...هذا الوعي هو ما يخلق أما حقيقية....وليست الأم الحقيقة بالضرورة هي من تعلمت في السربون أو حصلت على أعلى الشهادات وليس بالضرورة أن تكون شبيهة بالست أمينة حرم السيد أحمد عبد الجواد وليس بالضرورة أن تكون غنية أو فقيرة طويلة أو قصيرة جاهلة أو متعلمة بل المهم والضروري هو أن تكون واعية.......وهذه هي مشكلة حياتنا كلها وأساس كل مشاكل حياتنا......الوعي.. ومن غير الممكن أن أتكلم عن الأم ولا أتكلم عن الأسرة....يقولون أن الأم هي الأسرة....وأنا أرفض هذه المقولة بعض الشيء....لو كانت الأم هي الأسرة فلماذا شاء الله أن يتزوج رجل وإمرأة ويتشاركان في الحياة لتكون الأسرة ويظلا معا بعد وصول الأطفال وحتى نهاية العمر يتبادلان الأدوار حتى يصلا بأولادهم لبر الأمان ويخلقوا منهم رجالا ونساءا ينطلقوا في الحياة لتكوين أسر جديدة.... لو كانت الأم هي الأسرة لحدث مثل ما يحدث مع القطط مثلا...بعد أن تحمل يهجرها الزوج وتظل هي وحيدة تنجب وتربي وتطعم وتعلم حتى يخرج أولادها للحياة...وللأسف في حياتنا الكثير من البشر كالقطط......هل هذه أسرة....لماذا نحمل الأم أكثر من طاقتها ونظل نردد على مسامعها في كل مناسبة"أنت أساس البيت والأسرة والحياة"...لا شك أن الأم لها دور كبير لا يمكن تجاهله فهي الأنثى التي تحنو وتعطف وتجمع الشمل تحت جناحيها وتضم الكل في حضنها وتخفف من متاعب وهموم الحياة وتشارك بجهدها سواء داخل البيت أو خارجه ولكنها ليست المسئولة الوحيدة.....ثقافة مجتمعنا تجعلها المسئولة الوحيدة....تضع فوق عاتقها كل الهموم والمشاكل لأن ثقافة مجتمعنا ينقصها الكثير من الوعي.. بل قد ينقصها الوعي كله...الوعي بمعنى الأسرة ...الوعي بمعنى الرجل ودوره الحقيقي الذي إنحصر فقط ليصير دورا ماديا لا غير هذا إن وجد ولم يفعل الرجل كما تفعل القطط ....الوعي بمعنى التربية والقدوة والأخلاق والمباديء والأصول.....مجتمعنا أصبح فاقد الوعي لكثير من المعاني والأدوار وأصبح وعيه الوحيد ينحصر في المادة والمصلحة والذاتية ونجوم الكورة ونجوم الفن... كيف يخلق مجتمع هذا وعيه أسرة وبيت وينشأ أطفال... كل يوم أسمع من زملائي وصديقاتي قصصا واقعية تخصهن في بيوتهن مع الأزواج والأولاد تؤكد لي ما أقول .. فهذه مثلا سيدة متزوجة وزوجها يبدو رجلا يعرف ربه وخلوق ولهما ثلاثة أطفال أكبرهما فتاة قاربت أن تنهي دراستها الجامعية وأوسطهما شاب في بداية المرحلة الجامعية ومشكلة الأم الدائمة في حياتها أن بنتها لها أسلوب في اللبس وإختيار أزياءها لا ترضى عنه الأم وأن الأبن متمرد في سلوكه وتصرفاته وردوده وتشكو من عدم إحترامه لها ولكلامها غير مواظب على كليته ودروسه وكل ما يشغل باله النت والأفلام وأصدقاءه وله أفكار تتسم بالعنف والشدة والقسوة......ومن خلال حوارات كثيرة دارت بيننا إكتشفت أن الأب برغم أنه يعيش معهم في نفس البيت ولكنه ضيف يخرج من الصباح وينسى نفسه في عمله على الرغم من أنه عمل حكومي ويعود ليأكل ويقرأ الجرائد ويتفرج على المصارعة في التلفزيون وينام...وإذا تحدثت الأم معه في أي مشكلة تخص الأبناء وتحتاج لتوجيهه وحزمه وتدخله لا تجد منه غير السلبية أو الإنفعال في وجهها وخصامها بحجة أنها تحرضه على أبناءه ويتركها في مواجهة مستمرة مع أبناءهما لوحدها دون مساندة أو تدخل منه مما جعل الموقف يتزايد سوءا مع مرور الوقت ورغم ذلك فهو يحملها المسئولية إذا حدث خطأ يصعب علاجه .... غدا يحتفلون بعيد الأم .....وأتسائل "أم مثل هذه وغيرها كثيرات....وهناك أمهات قد أختف ظل الرجل من حياتها بالهجر أو الطلاق أو الزواج بأخرى وتركها لظل الحيطة.....هل سنظل نردد لهن أنتن الأسرة وسنظل نغرس ونعمق مبدأ ووعي كل المسؤولية للمرأة وحدها دون شريك"؟؟.......لم أصبح أمّاً بعد ولكن رغم الغريزة بداخلي ورغم أشتياقي لطفل أحمله ورغم وعيي بأهمية هذا الدور وأبعاده ورسالته إلا أني خائفة من أن آتي بأطفال إلى هذا العالم ..خائفة جدا لأني أعلم جيدا أن هذا عالم لا يستحق الأطفال .....عالم نحتفل فيه بالأم ثم نقهرها... وربما أخيرا وجدت سبب أحتفالنا بيوم الأم مع بداية الحر والرطوبة والخنقة والتراب والعفرة .....مع بداية رياح الخماسين.....

الثلاثاء، ١٨ مارس ٢٠٠٨

نبتتي...علمتني أسرار الحياة

في مكان عملي ومنذ ما يقرب من سنتين طلبت من أحد العمال أن يزرع نبته (بوتاس) في أصيص وتعهدت برعاياتها وسقيها حتى اليوم........كانت صغيرة فكبرت.....وظلت تنمو حتى شهر أغسطس الماضي2007 كفرع واحد ثم أخذت إجازة طوال شهر أغسطس وأوصيت أحد الزملاء بأن يقوم بريها نيابة عني......بعد عودتي من الإجازة فوجئت بأحد البراعم الجانبية قد نمت ونبت منها فرع جديد .....فرحت ثم تعجبت...لماذا نبت هذا الفرع الجانبي؟ ولماذا من هذا البرعم بالذات؟....مرت الأيام وحدث شيء منحني الإجابة عن سؤالي......حدث مني خطأ غير مقصود تسبب في قطع النبتة لثلاث أجزاء متفرقة.....أصابني رعب شديد وحزن وهلع ......أخذت ألملم في أجزاء النبتة وأنا أنظر إليها كأني قتلتها وإحساس بالذنب يملأ نفسي....كنت أردد:(لا تموتي......أرجوك لا تموتي).......ثم أكتشفت شيئا منحني بعض الأمل بعد أن هدأت......الجزأ الذي مازال في التربة محتفظا بجذوره والذي قطع منه طرفه النامي وأصبح عاجزا عن التمدد والنمو....هذا الجزأ هو الذي يضم البرعم الجانبي النامي والذي كان سليما لم يصب بأذى.....نظرت إلى ذلك البرعم والدهشة في نفسي تملئها ....تعلمت الدرس الأول من هذه النبتة العزيزة(هناك طرق بديلة تتخذها الحياة كي تستمر وحتى لا يموت الأمل ...فإذا قطعت الظروف الطريق الرئيسي ومنعت إستمرار الحياة من خلاله.....فمازالت هناك طرق بديلة من الممكن أن تنمو وتتمدد وتحافظ على الحياة وخاصة مادامت الجذور سليمة ومازالت موصولة بتربتها وهذا يمنح فرصة سهلة لا تحتاج لبذل جهد كبير من أجل العودة لطريق الحياة مرة أخرى) الجزئين الآخرين أحدهما كان عبارة عن الطرف النامي وهو ورقتين أحدهما تحمل في جيبها ورقة نامية لم تخرج بعد من غشاءها الذي يحيط بها.....والآخر هو الجزء الذي كان في الوسط ما بين الطرف النامي وباقي النبتة الذي مازال في التربة. قمت بحفر مكانين في الأصيص وزرعتهما من جديد وسقيتهما طوال تلك الفترة وعندي أمل أن تدب الحياة فيهما من جديد...... لكن شاء الله أن يموت الجزء المتوسط ولم تنجح إعادة زراعته...ذبلت أوراقه ورقة بعد ورقة ولم تفلح أحد البراعم الجانبية في النمو وشق طريق جديد للحياة كما سبق وأن حدث من قبل.... أما الطرف النامي الذي مازالت فيه ورقة بداخل غشاءها لم تظهر بعد للنور فقد ظل من ذلك الوقت وحتى أسبوع ماضي كما هو.....لم تمت الورقتين....ظلتا على لونهما الأخضر.....ولكن الورقة لم تخرج من غشاءها.....لم أيأس.....ظللت أسقيها وتركتها للأيام.....يوم السبت قبل الماضي وأنا أسقيها فوجئت بما هز قلبي من الفرح والنشوة وسعادة لم أعرف مثلها إلا نادرا......فوجئت بالورقة الوليدة تشق غشاءها وتخرج للحياة بعد إنتظار دام ستة أشهر كاملة ....كانت صغيرة جدا كالطفل الوليد....ناديت كل زملائي ليشاهدوا هذا المشهد الرائع... (كما رسمت الحياة لنفسها طريقا جديدا معتمدة على جذورها الراسخة ...طريقا لم يحتاج لوقت ولا جهد .....فهي أيضا تبني جذورا جديدة لطرف وليد لتسنده وتدعمه وتساعده على الخروج للحياة قويا نضرا .... ولكن هذه المرة الموضوع يحتاج لصبر ووقت ومجهود لتبني الجذور الجديدة وتثبت نفسها وحتى تتمكن الوليدة الجديدة من الإنطلاق)....... فهمت عندها لما مات الجزء المتوسط( لم تكن له جذور راسخة تسنده...لم يكن له طرق بديلة تمنحه الأمل......لم يحمل أساسا الأمل في داخله ...الأمل الذي ساعد على بذل الجهد والصبر حتى يخرج من غلافه وليدا نضرا يتفتح ويتمدد بالحياة )..... مازالت نبتتي العزيزة تنمو ......وأنا مازلت أسقيها وأرعاها وأرقبها لأتعلم..... وصدق من قال "يوضع سره في أضعف خلقه"........

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com