الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠٠٨

على هامش"في شقة مصر الجديدة"

فيلم لوسام سليمان نصا ومحمد خان إخراجا ....وكما كان فيلمها " أحلى الأوقات " رحلة بحث ، فكذلك هذا الفيلم أيضا.. وإن أختلف موضوع البحث...فهنا نبحث جميعا عن شيء واحد طوال الفيلم...نشترك مع البطلة في هذا البحث وتلك المغامرة التي بدأتها من أول تتر البداية وحتى وصلنا لتتر النهاية...كلنا نبحث معها عن أبلة "تهاني"....كلنا نبحث معها عن الحب. والحب وأبلة"تهاني" هما وجهان لعملة واحدة إن لم يكونا نفس الوجه...بل إني أزعم أن أبلة"تهاني" كانت مجرد رمز وأن تلك الكاتبة الموهوبة وسام سليمان قد لعبت اللعبة بحنكة تأليفية خيالية رومانسية رشيقة جدا عندما أستخدمت تهاني كرمز للحب في الحياة ...هي الحب الذي دخل خياله قلب الصغيرة "نجوى" منذ المرحلة الثانوية وعاشت عمرها تحلم به وتتمنى أن تصادفه وتحياه وتتنفسه...ولكن كل المجتمع من حولها قمع بداخلها تلك المشاعر الخضراء النقية البرية فعاشت تحلم بها وتتخيل مع نفسها...عاشت على أصداء أغنية "أنا قلبي دليلي" ومرت بها الأيام وكبرت وأصبحت في الثامنة والعشرين وهي مازالت تنتظر حلم الحب ليتحقق...كانت طوال تلك الفترة تراسل الحب المرموز له بأبلة تهاني وتبعث له برسائلها عله يجيب ثم انتهزت فرصة سفرها لعاصمة لتبحث عنه....أو تبحث عن أبلة تهاني...كانت مخلصة في بحثها ولم تترك أي محاولة أو جهد...كانت وحيدة ولكنها كانت تؤمن بما تبحث عنه وتثق أنه حي لم يمت...عندما علمت بإختفاء أبلة تهاني وأخبرها ذلك الشاب الذي يسكن بشقتها أنها ربما تكون ماتت رفضت الفكرة وأصرت أن أبلة تهاني تحيا....وكأنه كان يخبرها أن الحب قد مات ولم يعد له وجود في هذه الحياة – فهو لا يصدق في الحب ولا يعرف غير العلاقات العابرة – وكأنها تصمم على يقينها بأن الحب مازل موجودا ويجب أن نبحث عنه حتى نجده....طبعا لم يصدقها ولكن مثابرتهاوإصرارها وإيمانها جعله يحاول أن يساعدها بعد ذلك في بحثها....وأثناء ذلك البحث المشترك وجد كل منهما ضالته.....نجوى وجدت ذلك الإحساس الذي كانت تبحث عنه مع ذلك الشاب وهو وجد تلك الصورة الرقيقة النقية للحب الصادق متجسدا في تلك الفتاة التي برغم سنوات عمرها الثمانية والعشرين إلا أنها مازال بداخلها طفلة ومازالت برغم وجودها في هذا العالم المشوه محتفظة بذاتها وروحها بمنأى عن التشويه.... وبعد....فقد قذف كيوبيد بالسهام في القلوب وعند ذلك فقط ظهرت أبلة تهاني من جديد...بعثت للحياة بعد طول غياب وقد بعثت بخطاب تعلن فيه أنها مازالت على قيد الحياة وقد وجدت الحب أخيرا بعد طول إنتظار.... رحلة نجوى ...أو رحلة البحث عن الحب في عالم أختفى منه الإيمان بتلك المشاعر وأختفى منها القدرة على تصديقها والتعايش بها ومعايشتها....هذا هو فيلم "في شقة مصر الجديدة".
If you love and miss that person,then,love can come again when you meet again…just like playing hide and seek…no matter where it hides or even if you can’t see it, it must be waiting at some place for me. Amide the countless chaos…just like the sincere prayers of love, the people in love will surly meet again. FROM THE KORIAN SERIAS “Spring Waltz”

غراب قابيل...وزقزقة العصافير

دخلت اليوم معملا غير معملي...هذا المعمل له شرفة بسور عريض وزميلتي التي تعمل به قد ملئت ذلك السور بأصص الزرع والصبارات ...وقد تعودت إذا تبقى منها طعام أن تضعه على الشرفة ليأتي الغراب ويأكل منه....منذ عملت بهذا المكان وكلما دخلت معملها صباحا ،أرى الغراب واقفا على شجرة قريبة ينظر للشرفة وكأنه منتظرا أن تضع له زميلتي الطعام كما تعود كل يوم...كانت تضع له ما يتبقى منها من سندوتشات الخبز شامي بالجبن ويبدو أنه قد تعود عليه فإذا غيرت له نوع الخبز أو وضعت له شيئا آخر كان يرفض أكله ويبقى الطعام كما هو لا يمس...كنت أراه في بعض الأحيان يقف على السور ويظل يزعق بصوته المميز إذا تأخرت عليه ولم تضع له الطعام صباحا كما تعود.... تعودت أنا أيضا على وجود هذا الغراب وقد كنت أكره الغربان بسبب شكلها وصوتها وبسبب ما يقال عنها من أنها نذير شؤم.. ولكني أحببت هذا الغراب وأصبحت متعاطفه معه ووجدت فيه كائنا لطيفا مستأنسا يألف للبشر فألفته... وأنا صغيرة كانت جدتي و أمي يحكيان لي حكاية الغراب والجبنة القريش...وهي تتلخص في فلاحة كانت تسير وهي تحمل على رأسها سلة مملوءه بالجبن القريش فرأها الغراب وكان جائعا فطار وخطف منها قطعة ووقف على غصن شجرة قريبة ليأكلها فرءاه الثعلب وكان مكارا وقرر أن يحصل منه على قطعة الجبن...فأخذ يمدح في الغراب ...في شكله ومشيته وشخصيته ثم مدح صوته وقال له أن صوته أحلى من صوت العصافير والبلابل وطلب منه أن يطربه ويغني له قليلا بصوته العذب الجميل . صدق الغراب المديح وقام بفتح منقاره يغني فوقعت قطعة الجبن منه وأخذها الثعلب سريعا وجرى بها وهو يضحك من الغراب الأحمق.... وهناك أيضا قصة لا أتذكر ممن سمعتها ولا أتذكر تفاصيلها بالضبط وذلك عندما مر الغراب في الغابة فرأى كل الطيور والحيوانات تسير بطريقتها الخاصة المميزة لها وكان غير راض عن مشيته – والتي كانت بالمناسبة مشية طبيعية لا حجل فيها وقتها، أي وقت الحدوتة – ثم قرر أن يقلد غيره من الطيور والحيوانات في مشيتها حتى يختار المشية التي تعجبه فكانت النتيجة أنه لم يستطع أن يمشي مثل الآخرين وأيضا نسى كيف كان يمشي من قبل فأصبحت مشيته متعثرة ومن يومها وهو يحجل في المشي.. ولا أنسى قصة قابيل وهابيل في القرآن في سورة لمائدة عندما بعث الله لقابيل غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري جثمان أخيه هابيل... يبدو أن الغراب يحتل الكثير من عالم القصص والحكي وهو بطل على الرغم من شكله وصوته المنفران ولا أدري من أين جاءت مسألة أنه شؤم...لا أتذكر الآن شيئا عن هذه المسألة.. المهم لم أكمل ماذا حدث عندما دخلت اليوم معمل زميلتي...كان الظهر قد أذن وكنت جالسة أحسب بعض الحسابات المتعلقة بالعمل ثم سمعت صوت زقزقة جميل...نظرت ناحية الشباك فوجدت بضعة عصافير جميلة ربما تسعة منهم يقفون على السور ويطيرون حول الزرع ويقفون عليه وتخطف مناقيرهم بعضا من الطعام الموضوع على السور وظلوا على هذه الحال وأنا أراقبهم وكانت المسافة بيني وبينهم صغيرة جدا ربما نصف المتر ودخل أحدهم من الشباك وطار قليلا في المعمل ثم خرج وحمل آخر قطعة كبيرة من الخبز بمنقاره وطار....هنا وفجأة وجدت العصافير كلها طارت مزعورة دفعة واحدة ولم أفهم سبب ذلك في البداية فقد كان المعمل خاليا ولم أفعل أي شيء يجعلهم يفزعوا ويطيروا ...ثم سمعت صوته...كان الغراب الذي خمنت أنه كان يراقب تلك العصافير من فوق الشجرة فرأها تأكل من طعامه ووجد أحدها وقد أخذ جزءا كبيرا من الطعام وطار به فقال لنفسه هذا إعتداء على أملاكي وتذكر حكاية جده مع الثعلب ورفض أن تضحك عليه شوية عصافير كما ضحك علي جده الثعلب المكار من قبل فطار وهبط على السور ليطرد المعتدين ويؤكد ملكيته للسور بما عليه من طعام .... أخذت أضحك من أعماق قلبي وأردد الدعاء (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)

السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٨

على هامش " أحلى الأوقات"

وسام سليمان هي كاتبة سيناريو وخريجة معهد السينما قسم سيناريو وحاليا زوجة المخرج محمد خان وقد كتبت فيلمين من أحب الأفلام إلى قلبي هما "أحلى الأوقات" و " في شقة مصر الجديدة" ...
عندما بدأت التخطيط للكتابة عن "أحلى الأوقات" أصابتني الدهشة ، فقد اكتشفت لأول مرة أن الخط الأساسي للفيلم هو نفسه أحد الخطوط الأساسية في روايتي البيت الخشبي ...وعلى الرغم من أني رأيت الفيلم أكثر من مرة وعلى الرغم من أني بدأت كتابة روايتي منذ زمن بعيد وأعرف جيدا تفاصيلها وأبعادها إلا أني لم ألاحظ هذه الملاحظة سوى الآن فقط...فالفيلم هو رحلة بحث عن الذات...عن الأهل ومعاني الأمان والحماية والحب ..وكذلك الخط الدرامي في روايتي وإن أختلفت التفاصيل...فالبطلة في الفيلم ماتت أمها وفقدت بموتها معاني الحب والإهتمام والرعاية والأمان وبدأت تشعر بالوحدة واليتم ثم تصلها رسائل وهدايا لا تدري من يرسلها لها فتفتش في دفاترها القديمة لعلها تصل لخيط يعيد تلك المعاني لحياتها فتعود لتلتقي بصديقات الطفولة والدراسة وتكمل بحثها لتصل لوالدها وأثناء الرحلة تكتشف مفردات عن ذاتها وعن أشخاص وأشياء حولها وبداخلها لم تكن تراها أو تدركها من قبل فقد عاشت عمرها منطوية قليلة الإحتكاك بالعالم الخارجي من حولها غير إجتماعية ولا تعطي الأخرين دون أمها فرصة للإقتراب من عالمها ولا تعطي نفسها فرصة لدخول عالمهم...ثم تكتشف في نهاية الرحلة أن أقرب الناس منها هم أولئك الذين تصورت أنهم أبعد الناس عنها وكانت تضع بينها وبينهم حائط وحاجز وأسوار من أفكار خاصة بها لم تسمح لنفسها بالتأكد من صحتها قبل ذلك....زوج أمها وجارها بالإضافة لصديقاتها الذان عادت لهما بعد زمن طويل مر نسيت فيه صداقتهما وتلك العلاقة القوية التي ربطتها معهما في وقت مضى.......الفيلم هو رحلة بحث خرجت فيه البطلة في النهاية بكنز من الحب والتفاهم والصداقة والمشاعر الحقيقية القوية وخرجت فيه من شرنقتها للحياة تتنفسها وتحياها.....وهذا أيضا يذكرني بتلك الرحلة التي قام بها سانتياجو في رواية ساحر الصحراء لبولو كويليو عندما خرج في رحلة طويلة للبحث عن كنز مدفون وانتهت الرحلة بحصوله على كنز أثمن من التجارب والبشر والحب ومن تغلبه على نقاط الضعف والسلبية في نفسه...
فيلم"أحلى الأوقات" أحببته من أول لحظة والسبب روعة النص ومتانته ومنطقيته وترابطه وقوته وحساسيته وتلك الرسالة والمعنى الحقيقي المتواجد بين طياته....إنه فيلم رقيق ولكنه قوي وجبار ...إنه أحد الأفلام القلائل التي تنتمي للسينما بمعناها الحقيقي في هذا الزمن الذي نحياه

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٨

على هامش"أنت عمري"

أقصد هنا الفيلم وليست الأغنية......هذا الفيلم أحبه جدا.....وهذا الحب له أسباب....ولكن يجب أن أعترف أنه كان حبا من النظرة الأولى وكلما رأيت الفيلم مرارا وتكرارا يتعمق هذا الحب ويزيد ويتأكد وهذا ربما كان سببا مهما من أسباب حبي للفيلم...فهو ليس فيلم مسلوق أو مقلوب ...إنه عمل قد تم إنضاجه على نار هادئة جدا...على الأقل أثق أن القصة والسيناريو تم إنضاجهم على نار هادئة فخرج إبداع متماسك واقعي منطقي رومانسي جميل قلما أشعر به وأنا أتابع أفلام الجيل الجديد من صناع السينما والذي بدأ من أيام فيلم" إسماعيلية رايح جاي" وأحنا طالعين حتى اليوم .. عندما عرض هذا الفيلم في عام 2004 واستقبله الناس وكنت واحدة منهم فوجئت بحالة من النقاش والحوار حوله في كل الأوساط التي حضرت فيها...وربما هذا سبب آخر يؤكد أنه لم يكن فيلما مسلوقا ولا مقلوبا ....لقد حرك عقل الناس وربما أن حكايته ليست سياسية ولا رمزية ولا تجريدية ولا تكعيبية ...ربما هي حكاية إجتماعية رومانسية درامية وليس إلا ولكنها حقيقية جدا ولذلك حدث ذلك الجدل بين من يوافق ومن يعترض...من يرى أن البطل "هاني سلامة" مخطأ وخائن وعلى فكرة هذا لم يكن رأي الفتيات فقط بل رأي بعض الرجال أيضا الذين لأستغرابي الشديد كانوا متحاملين جدا عليه ويرون أن ما حدث من موقفه في الفيلم لم يكن به أي منطقية عندما قرر أن يترك زوجته وأم أبنه ويذهب بعيدا ليعاني من آلامه بمفرده ثم قرر أن يشارك آخرى في تجربته دون زوجته الحبيبة وهم يرون في ذلك خيانة وخط غير مبرر في أحداث الفيلم ويرون أنه كان من المنطقي أن يخبر زوجته من البداية لتخوض معه التجربة حتى تمر... وهنا نأتي لسبب حبي الحقيقي للفيلم....فبرغم إعتراضات من أعترضوا وبرغم أني لي رأي مختلف...فإن النص المكتوب كان مبدعا بحق ومتكاملا عندما شرّح كل شخصية من شخصيات الفيلم وقدمها لنا كاملة الملامح واضحة المعالم ....الزوجة" منة شلبي" هذه المرأة التي تتسم بكثير من الرقة والضعف والتي لا تتحمل أي مسئولية في حياتها سوى البقاء في البيت لتعد لزوجها الطعام وتستقبله وتهيء له أسباب الراحة والسعادة....هي لا تتحمل مسئولية أي مهمة أخرى في حياتهما من أول شراء الإحتياجات المنزلية من السوبر ماركت ودفع الفواتير وتوصيل أبنهما للمدرسة وحتى مجرد أن تحكي له قصة قبل النوم...تركت هذه المهمة أيضا لزوجها الذي ظهر وهو يقوم بكل المسئوليات الصغيرة والكبيرة...التافهة والعظيمة ...ورغم ذلك هما زوجان سعيدان ولا مشاكل وقد نظما حياتهما بهذا الشكل ومافيش قلق ولا خلافات....هذا جميل جدا ورائع ويا ريت كل البيوت بمثل هذه الصورة السعيدة وياريت كل الأزواج مثل ذلك الرجل الذي يتحمل كل الأعباء ويترك زوجته متفرغة لشيء واحد فقط...له...ولكن.....وآه من هذه الكلمة التي تحمل دائما معنى يأتي خلفها مسرعا ليعكس كل الصورة التي سبقت ويغايرها....نعم ولكن عندما تمر تلك الحياة التي تسير بهدوء وإطمئنان لهزة قوية مثل ذلك المرض الخطير الذي اكتشف الزوج أنه يحمله ، ماذا سيحدث؟ حسب الرسم والتشريح الدقيق والتفصيلي لشخصية الزوج والزوجة والذي وضعه لنا المؤلف وصوره بشكل صادق وبسيط وغير مفتعل فالمنطق يقول أن تفكير الزوج سيقفز سريعا لعدم قدرته على مصارحة زوجته بهذا الأمر على الإطلاق...والسبب بسيط لا علاقة له بالخيانه- فهو لم يكن قد تعرف بعد على الآخرى ليقرر الخيانة من عدمها- السبب ببساطة أن أي شخص يمر بتلك التجربة المؤلمة والصادمة من اكتشاف مرض خطير قد يذهب بحياته فإنه عندها يكون ضعيف يحتاج لمن يسنده في ضعفه ويرفعه من ذلك الضعف ويمسك بيده بقوة ليعبر به الى شاطيء القوة والتحدي والصمود والحرب ضد المرض حتى ينتصر عليه....وهذه الشخص يجب أن يكون أساسا شخصا قويا قادرا على المواجهة والتصدي والتحدي حتى يتمكن من بث ذلك الشعور للمريض الضعيف الذي يحتاجه...ففاقد الشيء لا يعطيه...والزوجة في هذا الموقف كانت فاقدة للشيء...هي بشخصيتها وتكوينها لن تكون ذلك الشخص الذي يمكن أن يعتمد عليه الزوج المريض لينهض من عثرته....وهو كان يعلم ذلك...بالإضافة أنه لم يكن يريد أن يسبب لها ألما... هو يفهم أبعاد شخصية زوجته...ترى لو كان إختار الطريق الذي نادى به الرافضين لتصرفه ممن شاهدوا الفيلم وأخبر زوجته من البداية،ترى ماذا سيكون الوضع؟....اتخيل أنها كانت ستنهار بجواره وبدلا من أن تتحرك به نحو حافة الأمل والشفاء كانت ستتحرك به نحو حافة الموت......هذه هي الحقيقة التي ربما يهاجمني الكثير بسببها ولكنها الحقيقية المنطقية التي استندت على تحليل شخصية الزوجة ....هذه الزوجة التي عندما قرر زوجها السفر وتركها لأول مرة لوحدها تواجه الحياة لمدة شهر أخذها من يدها ومر بها على أقسام السوبر ماركت ليعلمها كيف وماذا تشتري ، هل كانت تلك الزوجة قادرة على التعامل مع موقف خطير كالذي مر به زوجها ....أنا لا أهاجم الزوجة ولا أبرر للزوج ولكن لنكن واقعيين ففي حياتنا هذه النماذج....ولو كنت في مكان الزوج ماكنت سأخبر هذه الزوجة لأن إخبارها لم يكن ليفيد بشئ...وأعتقد أنها لو كانت على العكس ماتردد الزوج في إخبارها ومشاركتها في حمله الثقيل فالفطرة التي فطرنا الله عليها تجعل الزوج والزوجة أقرب مخلوقات في الكون لبعضهما بالعشرة والتجارب المشتركة والحياة التي جمعت ووحدت ...ولكن عندما يقرر أحدهما البعد عن الآخر بمشاكله فلا بد أن هناك سبب وفي هذه الحالة هذا هو السبب : ضعف الزوجة وعدم قدرتها على تحمل المسئولية والتعامل بحكمة وشجاعة مع الأمور المعقدة. نأتي للزوج"هاني سلامة" وإبداع آخر من المؤلف عندما رسم وفصّل وشرّح هذه الشخصية هي الآخرى... فهذا الرجل وعلى الرغم من أنه زوج مسئول ومتحمل لكل مسئوليات البيت والحياة فهو رغم ذلك ذو تكوين شخصي ضعيف ومستسلم ومنهزم أمام الأزمات التي تمثل مسألة حياة أو موت كذلك المرض الذي أكتشف أنه مصاب به... لقد قرر أن زوجته ليست الشخص الذي يمكن أن يسانده ولم يرد أن يسبب لمن حوله ألما فقرر أن يبتعد...وتصورت أنه ابتعد ليبحث عن علاج ويعتمد على نفسه حتى ينهض من أزمته ولكني فوجئت به قد ترك كل شيء خلفه وابتعد ليستسلم للمرض ويموت وحيدا على فراشه...ابتعد لينتظر الموت لا ليحاربه ويواجهه....رد فعل مستسلم ومتخاذل ، لم يفكر في محاولة إستعادة حياته من جديد على الأقل من أجل أبنه الذي لم يقدم له إلا شرائط سجلها بصوته قبل هروبه الكبير- قال آيه ليظل معه طوال مراحل عمره المختلفة ولا يتركه-.. ثم نأتي للشخصية الثالثه في الفيلم " شمس" أو"نيللي كريم" ...ولست أدري هل غختيار شمس كان مقصودا به معنى رمزي أم إنه مجرد اسم جاء على بال المؤلف..وإن كنت أرجح الإحتمال الأول لأن هذا المؤلف أثبت أنه ليس عشوائيا في كتابته.... "شمس" هي نقطة الإيجابية والقوة في الفيلم...تحمل نفس المرض ولكنها قوية متحدية شجاعة...تتعامل مع الموقف بإيجابية ولا تسمح لفشل قصة حبها مع زميلها في فرقة البالية بأن يؤثر عليها سلبا بل تتحدى نفسها وتضع لنفسها هدفا تسعى له بقوة...يجب أن تشفى حتى تتمكن من مشاركة فرقة بالية عالمية في أحد عروضها الهامة... ثم تأتي اللحظة التي يتعرفا فيها على بعضهما وتقرر شمس أن تقنع " يوسف " بالعلاج...وهنا يجد يوسف ما كان يحتاجه في تلك الفترة الصعبة...وجد ماكان يفتقده عند كل من حوله ومن بينهم زوجته وابنه...وجد القوة التي يستطيع الإعتماد عليها ليرفع نفسه من ضعفها واستسلامها وليتقدم نحو خطوة العلاج وهو معتمد على تشجيعها ووقوفها بجانبه وصلابتها وشجاعتها...السبب في تحرك يوسف نحو شمس هو سبب لا إرادي من عمل عقله الباطن ومشاعره الخفية الداخلية...لقد انجذب نحوها لأنها تشع بكل ما يفتقده هو في حياته وبداخل نفسه...اعتمد عليها ليحيا وكانت هي سبب تقدمه في العلاج ...ولكن بالنسبة لها كان الأمر مختلفا...هي قوية بذاتها عنيدة ومتحدية...هي تستطيع الإعتماد على نفسها ولا تحتاج لمساعدة نفسية منه أو من غيره...هي تستطيع عبور الأزمة بمفردها لأنها تملك المقومات لذلك ..ولكنها رغم كل ذلك أحبته...ربما لأنها وجدت فيه صدقا لم تجده في صديقها السابق وربما لأنها شعرت باحتياجه لها وربما لأن هذا كان قدرها الذي لم تستطع الهرب منه ...وربما أي سبب آخر.. المهم تستمر الأحداث حتى تكتشف الزوجة كل شيء وينفصل المريضان عن بعضهما ثم بعد تضحية من الزوجة التي تلاحظ تدهور حالة زوجها الصحية فتقرر أن تسمح له بالعودة لحبيبته...نأتي بعد هذا للنهاية حين تحقق شمس حلمها بالرقص مع الفرقة العالمية ثم تقرر بعدها أنها لن تكون أقل شجاعة وتضحية من زوجة يوسف فتخبره أن يعود لزوجته وتنهي كل شيء بينهما... ولأن هناك فارق كبير بين شخصية يوسف وشخصية شمس...فعلى الرغم من أنهما يحملان نفس المرض ويستقبلان نفس العلاج فقد تمكنت شمس من الحياة ومات يوسف.....هي عاشت لأنها تملك مقومات الحياة بعيدا عنه وهو مات لأنه كان يعتمد عليها ليحيا... نهاية منطقية من وجهة نظري حسب ذلك التشريح النفسي الفريد الذي قدمه المؤلف د\ محمد رفعت لكل شخصية. دور هاني سلامة في الفيلم جعلني لأول مرة أحبه كممثل وأول مرة أصدقه وأتعاطف معه...طبعا منة شلبي والرائعة نيللي كريم ...لا تعليق على الأداء...فقط هناك ملحوظة صغيرة فأنا أعتقد أن شخصية شمس بها الكثير من شخصية نيللي كريم وهذه الفتاة عندما رأيتها لأول مرة في فوازير رمضان في إحدى الأعوام لم تنزل لي من زور ولم يعجبني تمثيلها ولا أداءها على الإطلاق ولكنها أثبتت بمرور الوقت أن بداخلها فنانه متميزة وصادقة... وطبعا إخراج خالد يوسف ...وربما هذا هو أحب أفلامه لنفسي على كل المستويات... في النهاية ...من أسباب حبي لهذا الفيلم أيضا كانت أغانيه الرائعة أتذكرها في النهاية: "هيه الحياة كده ليه بقى ليها لون تاني...بقى ليها طعم جديد ولا كان على بالي..." " مركب ورق في البحر ..والبحر قلبه كبير- مركب ورق قلبي ...بتعاند المجادير(المقادير)- وموج ياخدها لفوق ....وموج يطوحها- شطوط بتحضنها....وشطوط بتجرحها- والبحر بجلاله...كبير مابيسعهاش- مركب ورق قلبي....آوان فرحها ماجاش "

في بيتنا يمام(سيرة ذاتية عن يميم ويميومة)

يميم ويميومة هما زوج من اليمام...يميم هو الذكر ويميومة بالطبع هي الأنثى..ليسا شخصيات خيالية بل هما نماذج حقيقية على أرض الواقع ...اختارا معملي وقررا في أوائل شهر مايو الماضي أن يستخدما مكان التكييف القديم المخلوع ليقيما فيه عشهما...تنبهت لوجودهما صدفة بعد أن مرت أيام كنت اسمع فيها صوت يميم العميق يتردد وأشعر أن هذا الصوت يأتي من مكان قريب جدا ولكني لا أستطيع تحديده...تخيلت في البداية أن الصوت يصدر من خارج المعمل حتى فوجئت يوما وأنا أنظر خلف الثلاجة بجسد الطائر يقف في الخارج على السور مكان التكييف الذي رفعناه للتصليح...بدأت استكشف الموضوع فوجدتهما قد اقاما عشهما على السور الضيق في ذلك المكان المختفي المنعزل البعيد عن حرارة الشمس...بدأت أتابعهما وقد ظلا في هذا المكان حتى نهاية منتصف شهر أغسطس ووضعا في هذه الفترة مرتين وأخرجا للعالم جيلين من اليمام الصغير...ثم تركوا المكان بعد حادث مؤسف... لن أتعجل الأحداث وأصل للنهاية سريعا...سأبدأ من البداية وأحكي كيف شاهدت هذان الطائران يعيشان ويتصرفان وما خرجت به من دروس وحكم لم أكن على دراية مسبقا أن لها مكان في عالم الطيور...والغريب أن كثيرا منها نفتقده في عالم الإنسان... يبدأ اليمام باختيار مكان العش واعتقد وإن كنت لا استطيع أن أجزم بأن الذكر هو من يحدد هذا المكان ويختاره ثم يأتي بالأنثى التي تجلس فيه ويظل هو متنقلا جيئة وذهابا يحمل لها الأعواد الجافة والأغصان الرفيعة والقش ...يحمله في منقاره ويأتي به إليها فتأخذه بمنقارها وتبدأ في ممارسة دورها في هذه المرحلة وهو توضيب العش الصغير وترتيب الغصون والأعواد وتعشيقها في بعضها البعض في شكل دائري حلزوني بديع وفريد من الخارج للداخل...تبقى يميومة في المكان لا تغادره ...كلما نظرت أجدها موجودة ولا أدري كيف تأكل وتشرب ...هل هو من يأتي لها بالطعام أم أنها تطير للحصول على بعضه في أوقات غير تلك التي يسمح بها وقتي في المعمل بمتابعتها؟ لاأدري..بينما يظل يميم على حاله جيئة وذهابا يحمل الأعواد والأغصان يعطيها لها ويرحل ويظل هذا هو الوضع حتى إكتمال بناء العش.. وهنا كانت أول ملاحظة لاحظتها في عالم هذان الطائران ...ملاحظة تدل على الفطرة التي فطر الله المخلوقات عليها والتي يمارسها هذان الطائران دون تفكير أو وعي ...الرجل في عالم الفطرة هو المسئول عن تأمين مكان الزواج للأنثى بداية من اختياره وحتى بذل المجهود العملي والفعلي والأكثر مشقة لتأثيثه وتوفير كل ما يتطلبه هذا البيت ليصبح جاهزا للزواج وهو الذي يعمل خارج البيت ويعتبر هذا دوره الأساسي. أما الأنثى فكل ما يتطلبه دورها في تلك المرحلة أن تشارك بذوقها وحسها الفني في توضيب وترتيب البيت وكل مجهودها يكون داخل البيت وليس خارجه... بعد أن يكتمل بناء العش ترقد الزوجة وتظل قابعة في العش أوقاتا طويلة ويأتي الزوج كل فترة ليراها ويتحدث معها ثم يطير من جديد...ولا أدري هل يأتي لها بطعام في منقاره لتأكل أم تطير هي سريعا للبحث عن الطعام وتعود...ولكني لم أرها في تلك المرحلة تطير إلا نادرا جدا هذا إن حدث... يبقى الوضع هكذا حتى تضع البيضة الأولى وبعدها بيوم تضع الثانية وهنا تبدأ مرحلة جديدة...تتناوب هي والزوج دوريات الرقود على البيضتين..هي ترقد عليهما ثم يأتي الزوج ليحل محلها وتطير هي للطعام والشراب ثم تأتي فيذهب هو وهكذا...وكانت هنا ثاني ملاحظة لاحظتها ألا وهي تلك المشاركة والتعاون الجميل بين الزوجين وتبادل الأدوار بينهما...لا توجد معاني من الأنانية أو السلبية.أو الإتكالية..هما معا يعملان على هدف واحد..رعاية الصغار قبل وبعد خروجهما للحياة.....وهذه الملحوظة تأكدت منها في كل المراحل التالية حيث لاحظت أن الزوج لا يتوقف دوره عند إحضار مستلزمات المنزل والعمل خارجه فقط ولكنه يعمل بجوار الأنثى داخل العش منذ مرحلة وضع البيض ثم فقسه وحتى يطير الصغيران ...هما معا يتبادلان الرقود على البيض ويتبادلان المكوث مع الصغار في بداية المرحلة التي تلي خروجهما من البيض ويتبادلا إحضار الطعام لهما وإطعامهما ويتبادلا منح الصغيران كل الرعاية حتى يطيران ويصبحا مستقليين بحياتهما.. وقد لاحظت في خلال ذلك فرق مهم بين الذكر والأنثى..فالأنثى حينما تكون راقدة على البيض لا تطير وتتركه بسهولة إذا اقترب من العش أحد إلا إذا تأكدت أن هناك تهديد حقيقي هنا فقط تطير وتبقى على مقربة من المكان حتى تشعر بالأمان من جديد وتعود ...ولكن الذكر ماإن يلمح أي حركة أو يسمع أي صوت لا ينتظر..يطير على الفور في ذعر ولا يعود من جديد إلا إذا عادت أنثاه..وربما يشبه هذا المثل القائل (الزوجة تعشش والزوج يطفش)..ربما.. فسبحان الله الذي خلق غريزة الأمومة في تلك المخلوقات وجعلها تتصرف تبعا لها بدون أي وازع لعقل تفتقد إليه أصلا...فهي لا تتحرك ولا تتصرف إلا بالفطرة والغريزة وحدها وهذا يثبت أن الأم هي أم حتى من قبل أن تنجب ولكن الأب لا يكون أبا إلا بعد أن يأتي الطفل كائنا حيا ملموسا في هذا العالم... لن أعلق أو أعقد مقارنة بين هذا العالم وعالمنا نحن بني البشر ...لو علقت لن تكون النتيجة لصالح الإنسان الذي ميزه الله بالعقل على سائر مخلوقاته ....لقد بدأت أظن بعد متابعة هذه المخلوقات أن العقل الذي نحمله قد شوه الفطرة أو أن العقل في صراع مع الفطرة والغريزه أيهما ينتصر..وسبحان الله الذي يهدي الإنسان لأوقات يكون فيها العقل هو الذي يجب أن يغلب الفطرة ة والغريزة وأوقاتا أخرى تكون فيها الفطرة هي الغالبة...وسبحان الله الذي يمنح الإنسان الحكمة ليميز بين هذه الأوقات وتلك فيتصرف وينفعل ويفعل بشكل يتناسب مع الأمر والحدث...وسبحان الله في بني آدميين يفعلون العكس تماما...يملكون نعمة العقل ولكنهم لا يجيدون إستخدامها فيشقوا بها ويضيعوا حس الفطرة الذي وضعه الله بداخلهم...أو أن هناك أسباب أخرى معقدة مثل العيش والعيشة واللي عيشنها...العولمة والدش ..الحالة الإقتصادية والدمار الإقتصادي الذي ألم بكل دول العالم حتى أمريكا التي لا تقهر...قهرتها الهزة الإقتصادية وزلزلت بورصتها...ربما هذه الأسباب الأخرى المعقدة والمتداخلة هي من هزمت الفطرة بداخلنا وشوهت الكثير من المعالم التي يجب أن تكون في عالم الرجل والمرأة حين يتقابلان لصنع بيت وأسرة وأطفال ... المهم نرجع ليميم ويميومة تاني...بعد اسبوعين كاملين من ميعاد وضع البيض تفقس البيضتان ويخرج طائران صغيران لهما رأسان كبيران جدا وعيون تحتل مساحة كبيرة من الرأس ونموهما يكون ناقصا لحد ما فالهيكل العظمي لهما رخو جدا فلا يتمكنا من رفع رقبتهما بشكل كامل وسليم ولا يتمكنا من الوقوف على قدميهما ودائما نائمين إما في وضع متجاور أو يجلس كل منهما عكس الآخر وفي هذه المرحلة يقل تواجد الأم في العش نسبيا فهي تتبادل مع زوجها البحث عن الطعام من أجل إطعام الصغيرين الذين يتناولان الطعام بإدخال منقاريهما في منقار الأم أو الأب. بعد يومين يشتد عود الصغار قليلا فيتمكنا من الوقوف والتحرك في العش قليلا وكلما مرت الأيام يكبران سريعا حتى يصبحان في نهاية الأسبوع الأول وقد صارا على مشارف مرحلة النضوج وكسى الريش معظم جسديهما وصارا أقوى..وغالبا يفوق أحدهما الآخر في القوة الجسدية وعندما يحين وقت الطعام يتشاجران معا من يصل لمنقار الأم أولا وطبعا يكون للقوي الغلبة في كثير من الأحيان... نبدأ في سماع صوت زقزقتهما التي تشبه في تلك المرحلة صوت كتاكيت الدجاج وفي هذه المرحلة يقل كثيرا وجود الأم في العش فهي لا تأتي إلا على فترات مع الأب ليطعما الصغار ثم يطيران سريعا... في نهاية الأسبوع الثاني يكون قد اقترب موعد طيران الصغيران وتركهما للعش.. قد أصبحا الآن نسخة مصغرة من الأم والأب وإن كان الزيل صغيرا والريش لم يكتمل تماما ولكن لهما جناحان يضربان بهما الهواء في تدريب على المرحلة المقبلة وهي الطيران...وفي هذه المرحلة التي تسبق الطيران مباشرة يترك الصغيران العش ولا يمكثان فيه كما كانا يفعلان من قبل بل يجلسان خارجه على السور ويتجولان جيئة وذهابا ويزقزقان عند اقتراب الأم والأب حاملين الطعام في مناقيرهما..ويظل الأب والأم يأتون للعش مادام الصغار فيه ويطعمونهما حتى يأتي وقت يطير فيه الصغار وعندما يأتي الأب والأم ولا يجدونهما يتوقفا عن المجئ لفترة قد تصل لثلاثة أسابيع ثم يأتون من جديد لوضع جيل جديد من الصغار وتعود الكرة من جديد... خلال تلك الحياة حدث لذلك الزوج حادثان أليمان أولهما كنت أنا السبب فيه والآخر كان من مجهول.. الأول كان مع الجيل الثاني فبعد أن وضعت الأم البيضتان كنت أنظر لهما وأقوم بتصويرهما فتسببت بدون قصد في كسر أحدهما..وهكذا حرمت الزوجين من أحد أبناءهما وأشعرني هذا بذنب عظيم.. والحدث الثاني كان بعد أن طار ابنهما من الجيل الثاني وبعد أن بدءا يترددان على المكان ليضعوا بيضا جديدا..يبدو أن أحد العاملين في المكان رءاهما وأمسك بيميم...عرفت ذلك عندما جئت في اليوم التالي ووجدت ريشا متناثرا في المكان وعلى السلالم ورأيت الزوجة تأتي وحيدة لتتناول الحب الذي أضعه لها... ولكن لم تمضي أيام حتى وجدت لنفسها وليفا ولكنهما لم يعيشا في نفس العش..يبدو أنهما صنعا واحدا آخر في مكان آخر وهذا ما جعلني أعتقد أن الزوج هو المسئول عن اختيار المكان أو تكون الزوجة قد تشاءمت من المكان فقاموا بتغييره...لا أدري.. المهم أني ماعدت أراهما بعد ذلك وكان هذا في منتصف أغسطس الماضي تقريبا ...أضع لهما الحب على السور وبعد يومين أجده قد أختفى فأفهم أنهما قد جاءا لتناول الطعام ثم ذهبا ولكني ما عدت أراهما... اشتقت إليهما كثيرا....في العشر الوسطى من رمضان الماضي اكتشفت عش آخر في مواجهة بلكونة حجرة نومي ...اكتشفته من زقزقة الصغير الذي بدا أنه قد شارف على الطيران وترك العش...وبعدها بيومين وعندما كنت أفتح البلكونة صباحا وجدت الصغير وقد طار وهبط على سور البلكونة ووقف هناك ينظر لي ...شعرت بسعادة لا حد لها ووقفت أنظر له ووضعت له بعض الحب ...عندما حاولت الإقتراب منه لم يهرب سريعا ظل واقفا حتى أصبحت على مسافة قريبة جدا ثم طار ...في اليوم التالي كان الحب قد أختفى ففهمت أنه عاد وأكله.... من يومها وأنا ألمح طيور اليمام في كل مكان أسير فيه وأسمع صوتهم العميق وخاصة في الصباح الباكر...أشعر بها تحيط بي وتونسني ....فقط أتمنى أن يعيش زوج آخر بالقرب مني من جديد...
الصورة الأولى على الشمال هي اليمامة التي وجدتها في بلكونة حجرتي والصورتان الأخريتان في المعمل أحدهما للبيضة التي تبقت بعد أن كسرت أختها خطأ( الجيل الثاني) والأخرى ليميومة تجلس على بيضتها
أما الفيديو للصغير يأكل من منقار أمه

الثلاثاء، ٢١ أكتوبر ٢٠٠٨

تنويه عن المدونة

لكل من شرفني أو سيشرفني بالدخول على هذه المدونه....هذه مدونة لأفكاري وخواطري ولكل ما كتبته حتى الآن من قصص قصيرة بالإضافة للمحاولة الأولى لي في كتابة القصة الطويلة أو الرواية....وهي رواية( البيت الخشبي)....وبالنسبة لتلك الرواية فقد بدأتها منذ عام الفين وثلاثة وكلما انهيت كتابتها وتركتها عدت لها بعد فترة فاقرأها من جديد وأجد نفسي غير راضية عن ما كتبت فأعيد كتابتها من جديد... وهكذا طوال تلك السنوات الخمس التي قد توقفت خلالها عن الكتابة فترة ثم عدت أخيرا لأضع اللمسات الأخيرة على الرواية وقد قدمتهاعلى هذا المدونة في شكلها النهائي الذي انتهيت من كتابته في التاسع عشر من الشهر الجاري...أرجو أن تعجبكم ...
طبعا عند نشر الرواية - وهي مقسمة على واحد وعشرين جزءا- ولطبيعة المدونة في النشر ، فسوف تجدون أحدث جزء هو النهاية والبداية في الرسائل الأقدم...وهناك خطأ مطبعي حدث يجب التنويه عنه فقد نشرت الجزء الرابع عشر قبل الثالث عشر (خلوا بالكم..)
يارب يعجبكم ما أكتب وأعرف رأيكم فيه بصدق..

الأحد، ١٩ أكتوبر ٢٠٠٨

تابع(البيت الخشبي)

(21)
دخلت الجدة فاطمة على الشيخ صابر...كان يجلس مستندا إلى جذع نخلة في منتصف الخيمة... بانت على ملامحه تفاصيل العمر المديد شديدة العمق ...شديدة التأثير والتأثر بحزن وألم وأسى ملئ بياض عينيه وزحف على كل كيانه فبات كأنه قد ألم به الوهن والضعف
جلست بجواره ناظرة إليه وقد انتقل لها حزن عينيه وألمهما...قالت في صوت ضعيف حان:
- مالك يا شيخ صابر؟
صمت فترة ثم حلق ببصره نحو الأفق وتنهد تنهيدة حارة اعتصر لها قلبها
- لقد انتهى كل شيء يا فاطمة...كل العمر الذي كافحت فيه من أجل الحفاظ على إرث أجدادنا...لم يعد لشيء قيمة
- لا تفكر بهذا الشكل...لقد انتهى الأمر على خير...المهم هو ما سيأتي يا شيخ صابر فماحدث قد انتهى
- وماالذي سيأتي يا فاطمة؟
- مهرة وصخر وعالية...وغيرهم من شباب وبنات هذه القبيلة...هم القادمون ونحن الراحلون...
صمت الشيخ ومازال نظره معلق بالأفق ، امسكت الجدة بذراعه
- مهرة سترحل غدا وصخر سيرافقها حتى يطمأن على حياتها هناك ، وحتى..
صمتت مترددة...نظر لها : وحتى يزوجها من ذلك الفتى...اليس هذا ماتريدين قوله؟
- قال صخر أنه لن يوافق على هذه الزيجة حتى يطمأن أنها في مصلحة أخته ويطمأن للولد وأهله....هو يريد أن يتأكد أنها لن تحيا في المدينة بمفردها وستكون مع من يحميها ويرعاها....
أشاح الجد بوجهه وعلامات الأسى بادية عليه
- يا شيخ صابر لقد جاءت الفتاة تبحث عن أهلها بإرادتها...وكما علمت من صخر رفضت أن تجيب الشاب على طلبه بالزواج حتى يطلبها من أهلها ويوافقوا عليه...إنها ابنتنا الكريمة العزيزة ...إنا تنتمي لنا يا شيخ
نظر لها الشيخ بنفاذ صبر وقال بعصبية:
- ماذا تريدين أن تقولي يا فاطمة؟
ترددت قبل أن تجيب:
- هي تطمع في رضاك عنها قبل رحيلها...ومباركتك لزواجها...
نظر لها والغضب في كل قسماته
- ليست هي وحدها من تتمنى ذلك...أنا وصخر وعالية نتمنى ذلك يا شيخ....
أشاح بوجهه الغاضب وظل على صمته المحدق في الأفق وزادت قسماته حزنا وألما ...نظرت له وقد خالط نظراتها المتوسلة إصرار حازم
- لقد مضى وقت طويل منذ حادث عائشة يا شيخ....الا ترغب في تعويضها وتعويضنا عن الماضي
صاح بها
- كفى يا فاطمة...
حلق الصمت فوق رأسيهما فترة من الزمن...
حاربت ترددها في حسم:
- هل أخبرها أن تأتي؟
لم يرد...ظلت تنظر له فترة من الزمن ثم كأنها استوعبت بخبرتها معه أنها لن تحصل منه على رد مهما انتظرت ، وقفت والقت عليه نظرة أخيرة ثم خرجت في بطء حزين...
لا يدري الشيخ صابر كم مضى عليه في جلسته وحيدا فقد غاص في بحر من الذكريات ...كانت كلها تدور وتدور ثم تعود لتلك الملامح الرائقة الحزينة ...ملامح ابنته عائشة كما رءاها في آخر أيامها قبل أن تموت ، ثم بدأت تلك الملامح تختلط بصورة مهرة ووجهها الرقيق الجميل ، تلك العينان التي تحمل شجاعة وقوة وعزة وكرامة...تذكر كلمات أحمد عنها عندما جاء يطلبها ....إنها خليط من الصحراء والبحر....الأصل والمنشأ...هنا الجذور وهناك الحياة....هل يمكن أن يقلعها من جذورها...أم أن يمنعها عن الحياة...في كلتا الحالتين ستموت....ستموت كعائشة...سيفقد ابنته مرة أخرى...لا ، لايستطيع...لن يتحمل ذلك مرة أخرى، ولكن ماذا يستطيع أن يفعل...هو أيضا له كبرياء وعزة نفس تمنعه من إظهار الخضوع والتنازل عن كل مادافع عنه عمره وآمن به وكرس حياته من أجله...هل يمكن وهو قد أصبح في هذا العمر ، وهوالشيخ الجليل المهيب العزيز أن يرضخ ويزعن ويوافق على ما كان يحاربه ويرفضه طوال عمره....لا، هو أيضا لا يستطيع...لقد وقع في حيرة ...الن تلهمه الصحراء...الن يمنحه الله الحكمة ...أم هذه الحيرة الأن هي عقاب من السماء على كل الماضي...آآآآآآآآآآآه...
كان الظلام قد حل...أحس بشخص يجلس بجواره...أفاق من ذكرياته ونظر ...على ضوء النيران التي أضاءها الرجال في الساحة أبصر ملامحها...كانت تبتسم...
-جئت أودعك يا جدي...
لم يستطع أن يحول عينه عنها....أراد أن يحفظ لك الملامح التي فارقته أعواما قبل أن تغادر في الصباح ولا يدري كم سيطول به العمر ليراها من جديد...
حاولت أن تستخدم روح الفكاهه...زادت من ابتسامتها
- كنت أراهن الجميع أن أحدا منهم لن يستطيع أن يقنعك بتغيير رأيك وربحت منهم كل نقودهم...ولذلك جئت أشكرك لأنك لم تجعلني أخسر الرهان...
ظهرت الدهشة في عينه المتأملة ...خفضت رأسها
- ورغم ذلك كنت مستعدة أن أخسر كل نقودي ثمنا لذلك الإحساس الذي عشت عمري كله أبحث عنه ...احساس الأهل والأمان والحماية...
عصرت قلبه الكلمات...رفعت رأسها ونظرت له بعين حزينة ولكنها تبتسم
- لقد حاولت أن أتفهم ما فعلته مع أمي وأسامحك...على الأقل حافظت على حياتي ...أنا مدينة لك بذلك...
شعر بأنها لو تحدثت أكثر من ذلك فلن يتمكن من الحفاظ على شموخه أمامها...ستسقط دموعه ويظهر ضعفه وهو يأبى ذلك......أشاح بوجهه...وكأنها لمست ذلك الإحساس بقلبها...أو أن قلبها هي الأخرى يفكر بذات الطريقة...نظرت للساحة التي امتلئت بمقاعد الرجال حول النيران...
- سأغادر ليس لأني لا أريد الحياة معكم...ولكن هناك وعود قطعتها على نفسي ولن أستطيع خيانتها...ربما لولا هذه الوعود كنت فضلت الحياة معكم وعدم العودة....هل لو كنت في مكاني يا جدي وقطعت وعدا على نفسك هل كنت تخلفه؟
لم ينظر لها ولم يرد...ظل مشيحا بوجهه وبمشاعره المتصارعة بعيدا...نظرت لجانب وجهه
- لن ازعجك أكثر من هذا يا جدي...جئت فقط لأراك قبل أن أغادر ولأقول لك أني سأدعوا الله أن تحبني يوما وتضمني لصدرك وتبارك حياتي وزواجي...هذا كل ما أتمنى الآن وأرجو
انتظرت رده ولكنه لم يفعل...قامت في هدوء والدموع تنسال على وجهها في بطء...غادرت وتركته ينظر خلفها وقد ترك لدموعه العنان ...فليس هناك من يشهد ضعفه إلا نفسه...والله
----------------- كان فرحا كبيرا.....أقاموه على شاطيء البحر بقرب الصخرة التي أعتاد أحمد ومهرة أن يتقابلوا عندها...... قرر أمجد ونهاد أن يقيما فرحهما في ذات اليوم......كان الكل حاضرا...دادة خديجة وأهل نهاد وأمجد وشهيرة ودكتور جمال ..وصخر أيضا....اقترب صخر من مهرة وقبلها في جبينها: - مبروك يا مهرة.. - شكرا يا أخي.....كنت أتمنى أن يكون فرحك أنت وعالية في نفس اليوم.. - كل شيء بأوانه.... - لماذا لم تأتي معك؟ - لا يصح أن تأتي معي ولم نتزوج بعد...... - عندك حق.. صمتت وأطرقت قليلا ثم قالت: وجدي؟ ربت على كتفها: الوقت كفيل بكل شيء يا مهرة...اصبري....الجدة فاطمة تبلغك تهانيها ...قالت لي أنها تشعر بأنه قد تغير في أعماقه ولكنه يقاوم الإعتراف.. رفعت عينها فوقع بصرها على أحمد وأمه ووالده يقفون معا يضحكون ويبتسمون......همست: نعم الوقت كفيل بكل شيء ولكن لا ضير من المحاولات بين الوقت والآخر...... نظر أحمد نحوها ورآها تنظر نحوه فبعث لها قبله في الهواء...... ابتسمت وظهر الخجل عليها..... أقبل أمجد ونهاد : ماذا تفعلون.....هل نحن في ميتم لا قدر الله....اليس هذا فرح؟ ضحكت مهرة: ماذا تريدون؟ - نريد أن نرقص ونقفز ونضحك ونغني....أين زوجك المزعوم - مع أمه وأبيه - احترسي يا مهرة...يبدو أن صلح أحمد وأمه سيتحول ضدك.....ستكون لك حماة... فاجأتها شهيرة من خلفها وهي تبتسم : من ستكون حماة يا نهاد ؟ ارتبكت نهاد فضحكت شهيرة وهي تضم مهرة: إنها ابنتي الحبيبة...وأنا أمها.. أقبل المصور : ليجتمع الجميع العرسان والأهل والأصدقاء ..سنأخذ صورة جماعية على البحر تجمع الجميع......وانطلقت فلاشات الكاميرا تسجل اللحظة ------- قال المصور: سنأخذ صورة أخرى غيروا أماكنكم من فضلكم بدأ الجميع يتحرك في منتصف الساحة الواسعة وسط البيوت يتبادلون أماكنهم حول العريس والعروس...كان فرح صخر وعالية......وكان الجميع حاضرا.......وقفت مهرة وهي تحمل طفلتها بجوار جدها.....نظر الجد للطفلة الصغيرة: -- اسمها عائشة يا جدي.... ابتسمت الصغيرة للجد وداعبت لحيته ...ابتسم لها....سطع الفلاش يسجل اللحظة...... ---- من بعيد كانت تقف......لمحتها مهرة وعرفتها...تركت الطفلة مع الجد وذهبت لها.. - قمر؟...لقد مر وقت طويل.. - مبروك... مدت يدها بشيء ملفوف في قماشة.....أمسكته مهرة: - ما هذا؟ - إنه يخصك....لا تفتحيه حتى أمضي.... بعد أن غابت عن نظرها فتحت القماش فسطع لون أحمر براق...... شهقت مهرة وتساقطت الدموع من عينها.....اقترب منها أحمد: ماذا حدث؟ لم تنطق أشارت فقط للعقد والدموع تنهمر من عينها - كيف وجدتيه؟ نظرت مهرة للظلام الدامس الذي شمل الأفق المترامي أمامها.... ---------------- كان ينتظرها على مسافة قريبة..... - هل سلمتها الأمانة؟ - نعم....وأعطيت لأم حسان النقود - هيا بنا.... سار جعفر وقمر معا متجهيين نحو الواحة ....مرا على البيت الخشبي.....توقف جعفر ونظر للبيت ثم مضيا
------------------------ - قمر.....هذا غير مفهوم... قال صخر وهو يتأمل العقد الذي ما إن رأته الجدة فاطمة حتى إنهارت في البكاء...... - هناك ورقة في القماش قالت عالية وهي تمسك الورقة وتفتحها - الحق لابد أن يعود لصاحب الحق.... دهشت مهرة: مامعنى هذا؟
قال صخر:يبدو أن جعفر قرر أن يكفر عن ذنوبه وذنوب حسان...هذه ليست الحادثة الأولى لقد عوض الكثيرين من الذين أخذ حسان حقوقهم...ويعطي لأم حسان نقودا...
قالت عالية: هذا هو الغريب في الأمر فمن أين له بالنقود؟
- وما علاقته بقمر؟
نظر صخر لجده بخبث
- جدي يعرف ولكنه يرفض أن يقول نظرالجميع للجد الذي كان يحمل عائشة ويداعبها ولكنه تجاهل ما يقوله صخر وتجاهل نظراتهم
نهض الشيخ وهو يحمل الطفلة وسار بها نحو خيمته - اتركيها معي يا مهرة وخذيها في الصباح..خذ زوجتك وادخل بها يا صخر....تصبحون على خير.... تابعته العيون بدهشة وتبادل صخر وأحمد النظرات واحتضنت الجدة فاطمة مهرة التي ظلت تنظر للجد وهو يمضي مع عائشة وارتسمت نظرات صامته على وجهها ودموع متجمعة في الحدقتين..
سار صخر وعالية نحو بيتهما وعادت الدفوف تدق والزغاريد تنطلق....وأصوات الأعيرة النارية تملئ الفضاء.... ------------------------------- قضى ليلتهما في البيت الخشبي... نظرت مهرة عبر النافذة للقمر في صفحة السماء.....تخيلت وجه أبيها...ابتسمت له: تصبح على خير ياأبي... قبل أن تعود لفراشها تخيلت وجها وسط النجوم يرنو لها...فركت عينها.....لم تكن تتخيل...كانت ملامح رقيقة تنظر لها وتبتسم وقد غطت شعرها الكستنائي بشال من الصوف....همست مهرة: أمي....
تمت

بدأت في كتابة الرواية في२००३ وانتهيت منها في التاسع عشر من أكتوبر 2008

تابع(البيت الخشبي)

(20) قضى صخر اليل يفكر...في الصباح ذهب لجده وجلس معه طويلا... - ليس أمامنا إلا خياران يا جدي......إما أن نقول نحن الحقيقة للناس أوسيقولها حسان....أو أن نرضخ له ويظل يهددنا طوال عمرنا... ظل الجد صامتا يفكر - مارأيك يا جدي؟ - كان قدوم هذه الفتاة وبالا علينا - مانقترفه بأيدينا هو ما يسقط الوبال علينا ياجدي... - إذن أنا المسؤول؟. - الوقت يمر يا جدي....مهما كانت عواقب أن نقول للناس الحقيقة فهي أفضل من أن نضع أنفسنا تحت قبضة حسان مازال الجد مترددا.....نظر له صخر: الست مقتنعا بصواب ما فعلته قديما يا جدي؟ - بلى. - إذن فلم تخشى مواجهة الناس؟ نظر له جده نظرة طويلة وقد أدرك أن حفيده قد أوقع به بلعبة زكية لن يستطيع منها فكاكا...فإما أن يعلن على الناس الحقيقة ليثبت إيمانه بصواب ما فعله أو يتردد فيشعر حفيده بشكه في إقتناعه بما أقدم عليه قديما ...وفي كلتا الحالتين سيحقق حفيده الهدف الذي يطمح إليه......كيف تمكن هذا الولد أن يصبح هكذا في هذه السن الصغيرة......ولماذا يتعجب وهو من قام بتربيته وتنشأته... - ماذا قررت يا جدي؟ أسقط الشيخ رأسه على صدره وقال في آسى: - قد يطالب الناس بعزلي عن زعامة القبيلة لأني خبأت عنهم ما حدث طوال تلك الفترة ولم أنزل بأمك العقاب المفروض وهو القتل ...سيقولون أني خنت عهود أجدادي وتكتمت الأمر حتى لا يعرفون الحقيقة ..هل ترضى هذا لجدك - لن يفعلوا يا جدي...وحتى لو حدث فسيحدث بشرف بدلا من أن يحدث بخسة على يد حسان.. نظر له جده وقد أسقط الأمر في يده: حسنا.......حسنا يا ولدي...سأجمع الشيوخ وأخبرهم بهذا القرار وبعدها نجمع الناس ونخبرهم...سأفعل ما تريد...ولكني بعدها سأتنازل عن مكاني لك. -لا يا جدي - لن أنتظر حتى يقيلني الناس....ثم هذا أفضل....أنت الآن تستطيع ذلك ...
نظر الجد لصخر في عمق عينيه :..وحتى تتمكن من تنفيذ ما تريد بخصوص أختك دون أن تضطر أن تفعل ذلك في الخفاء ارتبك صخر ولكنه حافظ على هدوءه وثباته
- ماذا تقول يا جدي؟ - هل تظن أني لا أعرف ما تنوي فعله؟....ستتركها تذهب وستزوجها لذلك الشاب الذي جاء يطلب يدها مني...فلتفعل ذلك في العلن أمام كل الناس ولتواجه بنفسك الموقف لتعلم هل كان عندي حق قديما أم لا.. - الزمان يتغير يا جدي ...ماكان يرفضه الناس قديما قد يوافقون عليه اليوم.. - هذا يعني أن لا يصبح لقبيلتنا كيان.......إذا سمحت لأختك بالزواج من أجنبي ستفعل كل الفتيات مثلها...سيمتد الصراع بين الأهل والأبناء إلى الأبد.....سيفقد هذا المكان ما كان يتميز به من خصوصية ونقاء في السلالة وإحتفاظ بالأعراف والمواريث......تحمل أنت مسؤولية هذا كله....أريد أن أرى قبل أن أموت ماذا ستفعل وكيف ستتصرف في كل هذا. صمت صخر وقد فاجأه قرار جده بالتخلي له عن الزعامة وفاجأه كلامه....ولكن هذا لم يغير قناعاته فيما ينوي فعله.....
- جدي...إذا كان التغيير حتميا فليحدث الآن بإختيارنا قبل أن يحدث فيما بعد غصبا عنا...هذا ما أومن به - إذن فاذهب نفذ ما قلته لك...اجمع الناس والشيوخ وليكن ما يكون.... ------------------------- وقف الشيخ في الساحة الكبيرة وحوله باقي شيوخ القبيلة وبجواره صخر ومهرة .......تحدث إلى الناس وأخبرهم بكل الحقيقة وبدوافعه وقتها وكيف أنه كان يحاول الدفاع عن تقاليد القبيلة وشرفها ولكن في ذات الوقت لم يطاوعه قلبه أن يقتل ابنته وطفلتها فرتب الأمر كما رأى وكتمه عن الناس...وأنه اليوم بعد أن عادت حفيدته تبحث عن أهلها شعر أن ميعاد كشف الحقيقة ومصارحة الناس بها قد جاء...وهو يترك الأمر لهم ولحفيده صخر منذ هذه اللحظة وقرر أن يقضي ما تبقى من عمره شيخا كباقي الشيو خ يقدم خبرته ونصحه لهم ويترك لهم القرار.. استمع الناس له ....وبعد أن انهى كلامه ساد الصمت كأن على رؤوسهم الطير....... تحدث صخر: لا أريد أن يتنازل جدي لي ...ولكنه يصر لأنه يخشى أن تنادوا بعزله بعد أن سمعتم الحقيقة....ولكني أنا نفسي أخشى أن ترفضوني وتنادوا بأن يبقى جدي في مكانه زعيما وشيخا لنا فهو دائما كان خير قائد لقبيلتنا وما فعله مع أمي أراد به أن يتبع الأعراف التي تسقط حق الفطرة والدين والشرع الذي يقر الزواج الحلال متى توفرت شروطه ولكن تلك الأعراف لم تتمكن من فطرة الأب والجد بداخله فلم يتمكن من قتل أمي...من جهتي أرى أن ما فعلته أمي لم يكن خطيئة وأرى أن هناك بعضا من أعرافنا يجب أن تتغيير ...تلك الأعراف التي تتنافى مع الدين والشرع والفطرة التي فطر الله الناس عليها ....الأن أنا وجدي أمامكم...لكل منا طريقه وأسلوبه المختلف عن الآخر....ومن حققكم أن تقرروا...
سرت همهمات بين الناس .....قطعه صوت سيارة بوليس تقترب.. نظر الجميع تجاهها.....توقفت وهبط منها ضابطا اتجه نحو الشيوخ: من شيخ القبيلة؟ تبادل الجميع النظرات بين صخر وجده...تقدم صخر وأشار لجده: الشيخ صابر.... نظرله جده بدهشة: مازلت كذلك يا جدي حتى يقول الناس رأيهم اقترب الضابط من الجد: هل حسان عامر من أهل هذه القبيلة؟ - نعم..ولكنه مطرود منها؟ - لقد وُجد منتحرا في عشته هذا الصباح......كان بجواره هذه الرسالة. تقدم صخر من الضابط..: هل أنت متأكد من أنه انتحر يا سعادة الضابط. - لقد وجد مشنوقا ولم نجد أي آثار لعنف كما أن الرسالة التي تركها تدل على ذلك - هل من الممكن أن أقرأها. أعطاه الضابط الرسالة: لقد انهيت حياتي لأني لم استطع الحياة بذنوبي ...اعترف أني قد آذيت كثيرا من الناس وأعترف أني من دسست لزوج أمي الحشيش وكنت السبب في دخوله السجن.. ...لم أعد أحتمل..سأقتل نفسي لأرتاح...وسامحوني كلكم. - هل كانت له عداوات..ربما كان حادث الإنتحار مدبرا - كما قرأت يا سيدي لقد آذى الكثير ولكن العلم عند الله - من حسن حظ زوج أمه أنه مازال في السجن ...سيخرج اليوم...لولا ذلك لكان المشتبه الأول في قتله
تبادل الجميع النظرات الحائرة...
- نريد أن تأتي أمه للتعرف عليه ونريد أن يحضر شيخ القبيلة ليدلي بأقواله في المحضر - سنفعل .. مضى الضابط واقتربت مهرة من صخر: هل تصدق ذلك...انتحر؟ - بل قتل.. - صخر هل أنت.. - لا تكوني مجنونة لست أنا....ولكن هناك من فعلها وأراحنا منه للأبد... - والآن ماذا سنفعل - سأستأذن جدي أن تعودي وأنا معك للمدينة...سأستأذنه أن يوافق على زواجك من ذلك الفتى.. - هل سيوافق؟ - لا تقلقي.....سيفعل....سأقنعه. غمز لها بعينه وابتسم......ابتسمت له في صفاء...شعرت لأول مرة منذ وفاة والدها أن لها أهلا......كان صخر أهلها.....وجعل هذا دفقة ضخمة من الأمان تسري في عروقها وتشعرها بالراحة والإطمئنان...لقد أصبحت سعادتها كاملة....... لا ليس بعد.....فعقد أمها قد ضاع للأبد وذهب مع موت حسان...لن تعرف لمن باعه ولن تستطيع أن تسترده...طافت بخيالها ذكرى أبيها فهمست في أسى: سامحني يا أبي...

تابع(البيت الخشبي)

(19) كان حسان يتجول في الواحة بعد الظهر....وجده يسأل الناس عن القبيلة.....تقدم منه وهو يرمقه من أسفله لأعلاه بنظراته الخبيثة...... - هل تريد الذهاب لقبيلة جبران - نعم..... - أنا حسان...أحد أبناء القبيلة.... - تشرفنا.....اسمي أحمد...أحمد جمال الدين - هل أستطيع أن أعرف لماذا تريد الذهاب هناك - أبحث عن فتاة جاءت هنا منذ عدة أيام... - آه..تلك الصغيرة صاحبة الضفيرة.. - هل تعرفها؟ - طبعا....كانت تسكن في البيت الخشبي ثم تركته وتقيم الآن عند شيخ القبيلة.....هل أنت أخوها؟...أم أنك... - كيف أذهب إلى هناك؟ - سأوصلك وكله بثمنه.....هيا بنا.... ركب حسان السيارة مع أحمد...ظل يرمقه بنظراته ويعبث في ذقنه بأصابعه.....كان يشعر أن هناك شيء وراء تلك الحكاية قد يفيده....وكان حريصا على معرفة الحكاية ..سأله أحمد وقلقه يطل من عينيه: - هل أنت متأكد أنها هناك وأنها بخير - ولماذا لا تكون والكل مهتم بوجودها......حتى صخر .. - صخر؟ من هو؟ - حفيد شيخ القبيلة ، منذ أن جاءت وهو لا يفارقها..... نظر له أحمد والريبة والشك القلق يطل من عينه - هل هو من أقاربها إذن؟ - من؟ - صخر.....هل هو قريب لأمها؟ - ماذا؟......أمها؟..... همس حسان بهذا الكلام لنفسه مهمهما وهو يحاول أن يفهم. - نعم لقد جاءت تبحث عن أهل أمها...هل وجدتهم عندكم في القبيلة.... سرح حسان بعقله بعيدا وهو يفكر فيما سمعه......تذكر العقد الأحمر ...تذكر زيارة صخر له وتهديده .....وإهتمام الكل بمهرة ....ولكن كيف تكون من القبيلة هي وأمها...هناك حلقة مفقودة...أخرجه أحمد من تفكيره - هل عرفت أهلها؟ - لا تؤاخذني فهناك شيئا لا أفهمه.....المنطقي إذا كانت تنتمي للقبيلة أن تأتي بحثا عن أبوها لا عن أمها.....فليس من عاداتنا أن تتزوج النساء من خارج القبيلة ولكن الرجل يستطيع.... - هذا ما أعرفه.....أمها من القبيلة وتزوجت برجل من المدينة..ألم تقل أنك من القبيلة....كيف لا تعرف حكايتها؟.....أم؟.... صمت أحمد ونظر لحسان بخوف وقلق كبيران: أم هل حدث لمهرة شيء ؟ - لا لا تقلق هي بخير ولكني أعمل وأعيش خارج القبيلة ولذلك لا أعرف أكثر أخبارها....ولكنك متأكد مما تقول....أمها من القبيلة وتزوجت من المدينه؟ - نعم.... - شيء جميل.....ومن هي أمها؟ - لو كانت تعرف ما كانت جاءت هنا لتبحث؟ - آه.....عندك حق.....عندك حق.....هذا جميل.....شيء جميل. وصلا القبيلة ونزل حسان من السيارة وأشار لأحمد على مكان خيمة الشيخ صابر.. - أعذرني عندي عمل مهم يجب أن أنجزه... ترك أحمد وانطلق مسرعا نحو بيت أمه...... سار أحمد نحو خيمة الشيخ صابر ...دخل فوجد الشيخ يجلس بين مجموعة من شيوخ القبيلة... - أهلا بالغريب ...تفضل - شكرا يا شيخ - ماذا نستطيع أن نقدم لك؟ - لقد جئت أبحث عن ....عن خطيبتي....اسمها مهرة وقد جاءت هنا لتبحث عن.... قاطعه الشيخ صابر مسرعا والوجوم والغضب يشكل ملامح وجهه الصلب الجامد : - خطيبتك.؟ - نعم....أريد أن... نظر الشيخ صابر لمن حوله من الرجال: اتركونا بمفردنا يا شيوخ.... تناقل أحمد نظرات الإستفهام والتعجب ما بين الشيخ صابر وبين هؤلاء الشيوخ الذين خرجوا وهم يصبون عليه نظرات نارية حارقة..... - ماذا حدث لها يا شيخ؟.......أين هي؟...لقد جاءت تبحث عن أهلها ولا أستطيع الإتصال بها منذ الأمس.. - ولن تستطيع الإتصال بها في أي وقت آخر.....لقد حسمنا الأمر... - أي أمر ومن حسمه؟ - أهلها الذين جاءت تبحث عنهم ........لقد اتفقت مع المشايخ أنها ستبقى معنا لنرعاها ولن تعود للمدينة - ماذا تقول؟ بأي حق تقررون هذا؟ - بحق أننا أهلها.....هذه الفتاة حفيدتي...أنا ولي أمرها الآن......وحسب هذه الصفة فلا أعتقد أنك قد جئت تطلب يدها مني لتصف نفسك بأنك خطيبها تراجع أحمد عن عصبيته ولانت ملامحه وحاول أن يكون هادئا ولبقا: - عفوا يا شيخ....لم أكن أعلم صلتك الحقيقية بها.....إذن فقد نجحت مهرة في التوصل لما كانت تبحث عنه...لقد وجدتكم...وجدت أهلها... صمت الشيخ وهو ينظر لأحمد بجمود وصلابة....ابتسم أحمد ونظر للشيخ في ود: - لقد عرضت عليها الزواج من قبل ولكنها رفضت.....قالت أنها لا يمكن أن تأخذ هذه الخطوة قبل أن تجد أهلها وتعرفهم وأنني وقتها يجب أن أطلب يدها منهم..... نظر له الشيخ ونظرات متعجبة تسري في ملامحه الجامدة: هي قالت ذلك؟ - نعم.....إنها فتاة شجاعة وقوية.....لقد تحملت الحياة بعد وفاة والدها بمفردها بكل كرامة وعزة وكبرياء... لا أشك الآن أنها تنتمي لكم فلا بد أنها ورثت تلك الصفات عنكم.....هي أيضا رقيقة وحالمة في أوقات.....وربما كان ذلك بحكم طبيعة البحر الذي نشأت وتربت بجواره......كل هذه الصفات فيها جعلتني أرغب في الزواج بها.... نظر أحمد في عين الشيخ التي طافت بعيدا عن المكان والزمان... - سيدي ، اسمح لي أن أطلب منك يد حفيدتك....مهرة افاق الشيخ من سرحته : ماذا تقول؟ - أطلب منك ان تزوجني مهرة....حفيدتك.. نهض الشيخ في عصبية وصاح به: - ليس عندنا بنات للزواج.. نهض أحمد مندهشا متخبطا: ماذا تقول يا شيخ؟ - كما سمعت......نحن لا نزوج بناتنا للأغراب.... - ولكن..... - انتهى الكلام....خذ واجبك وارحل كما جئت ولا تعد....ولا تحاول الإتصال بها.....لا تؤذي نفسك يا فتى. خرج الشيخ من الخيمة وسار متجها لجمع الشيوخ المحلق حول النار يحتسون القهوة ويدخنون... نظر أحمد خلفه وكيانه كله يرتعش وعينه تجمعت فيها سحابات من الغضب والغيظ والحنق لا تجد لها متنفسا....يريد أن يراها.....هل توافق على هذا الكلام الغريب....إذن لماذا لا ترد عليه منذ الأمس....هل أجبروها على كل ذلك وهم الآن يحبسونها في أحد هذه البيوت وأخذوا منها هاتفها حتى لا تستعمله ، أم أن كل ذلك برضاها وقد قررت البقاء وقررت أن لا ترد عليه.....قررت أن تهجره من أجل الأهل الذين حلمت بهم دوما...أين الحقيقة......يجب أن يراها وأن يواجهها ليعرف....ولكن أين هي..... لمح حسان يسير مبتعدا خارج القبيلة....أسرع إلى سيارته وانطلق خلفه: - أين هي؟ - من؟ تفاقم الغضب بداخل أحمد فامسك بتلابيبه وشده إليه وعيناه تنطق بالشر: - مهرة ...أين هي؟ حاول حسان أن يبعد يده فلم يستطع وقدر أنه لن يستطيع التغلب عليه إذا حدثت مشاجره - حسنا اتركني وسأخبرك.. - بل تخبرني أولا - ساخبرك إذا جاوبتني على سؤال مهم......هل أخبرك الشيخ صابر أنها حفيدته من ابنته عائشة. - لا أعلم اسم أمها ولكنها حفيدته من ابنته....اين مهرة الآن؟ ابتسم حسان في خبث وقال: نركب السيارة وسأدلك على مكانها انطلقا نحو البيت الخشبي....أغنام عالية كانت ترعى حول المكان وفرسان يقفان في الخارج من بينهما فرس صخر الأشهب: في الداخل مع أخيها صخر والراعية - أخوها؟ - نعم....مادامت ابنة عائشة فصخر أخوها...هو ابن عائشة أيضا... - لست أفهم شيئا..... - ادخل وسيفهمونك.. - وأنت؟ - سأبقى هنا.... فتح باب البيت وخرج صخر وخلفه مهرة.: الم أقل لكم أني أسمع صوت سيارة..... - سيارة من؟ نظر الجميع تجاه بعضهم البعض وقبل أن يُسأل سؤال آخر كان أحمد قد جرى تجاه مهرة وأخذها بين ذراعيه...خرجت عالية تنظر فتسمرت في مكانها وأخذت تتبادل نظرات حائرة بين صخر وبين ذلك المشهد الذي جمع مهرة وأحمد في عناق طويل....وحسان يقف مبتعدا خلف السيارة ينظر في خبث ويداعب بأصابعه ذقنه.. نظر صخر لمهرة نظرات بها شيء من الصرامة الحازمة وشيء من العتاب فأفلتت مهرة من ذراع أحمد ووقفت وقد تورد وجهها خجلا وشملها إرتباك وحيرة..... تحدث أحمد وقد خرج إنفعاله كله دفعة واحدة ونظراته تحدج صخر بالغضب والشك : لماذا لا تردين على هاتفي منذ الأمس...وما هذا الجنان الذي يحدث هنا....قابلت ذلك الشيخ الغريب فقال أشياء لا أفهمها.....هل يحتجزونك هنا.... تحرك نحو صخر والشرر ينطلق من عينه: هل تحبسها في هذا البيت .....هل آذيتها....ماذا فعلت بها؟ حالت مهرة بينه وبين صخر: أحمد....هذا أخي... - أعلم.....ماذا فعل بك....ماذا فعلوا بك هؤلاء الناس؟ - لم يفعل بي أحد شيء يا أحمد.......أهدأ أنا بخير كما ترى..... - إذن لماذا لا تردين على الهاتف....لماذا لم تحضري الندوة بالأمس.......لقد انتظرتك طويلا ولكنك أخلفت وعدك.......هل قررتي البقاء وعدم العودة......هل تخليتي عني... صرخت فيه مهرة والحزن يطل من عينها: أنت لا تعرف شيئا......لقد حدثت أشياء ...أنا لم...... ولكنها لم تستطع أن تكمل.....غلبتها دموعها.....جرت مسرعة نحو الداخل وخلفها عالية..... حاول أحمد اللحاق بها ولكن صخر وقف أمامه: أعتقد أنك يجب أن تهدأ وتفهم الحقيقة أولا قبل أن تضطرني لضربك.. - ماذا تقول.....أنت تضربني؟.. - نعم.....هذا حقي فقد جرحت مشاعر أختي منذ لحظات وقد كانت تجمع أشياءها لتعود إليك..... - ماذا تقول .....ولكن الشيخ قال لي... - قل لي ماذا سمعت وسأخبرك بالحقيقة وبعدها أنت مدين لي ولأختي بالإعتذار وإلا.... - ماذا؟ ستضربني؟..... - لا ، فقط إذا جئت تطلب يدها مني لن أوافق..... نظر له أحمد والحيرة تتراقص في عينه وعلى صفحة وجهه ......ابتسم صخر في صفاء وهدوء وسار به نحو الداخل.....ومن خلفهم كان حسان يقبع في مكانه خلف السيارة وينتظر.... -------------------------- على شاطيء البحر تقابلا.... - كيف حالك يا شهيرة... - جمال؟!!.....بخير...وأنت؟ - بخير... صمتت...مشاعر تتزاحم بداخلها تجعلها تضطرب... - أشكرك.... - على ماذا؟ - سمحت لأحمد بزيارتي...ولم تمانع في وجودي هنا حتى يعود.. - أنت أمه... إبتسم وهو ينظر لها ..بعد تردد عزمت أمرها... - آسفة.. - على ماذا؟ - على كل ما سببته لك ولأحمد من آلام...تلك الرغبة بداخلي في ذلك الوقت أن أنجح...أنجح نجاحاً خاصاً بي وحدي وأن أحقق حلمي الخاص ...ولكن بعد مرور السنين تأكدت من شيء هام...حقيقة مهما حاولت الهرب منها لا أستطيع...كل ما حققته في تلك السنوات لا يعادل تلك اللحظات التي كان يمكن أن أحياها بجوار إبني...
-إذا كان هو ما تعتذرين عنه فأنا أيضا مدينا لك بالإعتذار
-لماذا؟
- لأنني توقفت عند حدود إهتماماتي وإحتياجاتي الخاصة ورؤيتي الذاتية في حياتنا معا...لم أقدر أنك أيضا لك إهتمامات وأنني كما كنت أحتاج منك أن تفهميني وتفهمي إحتياجاتي كان يجب أن أفعل ذات الشيء معك...
أما عن السنين التي فاتت دون أن تكوني بجوار ابنك فأنا مشارك بنصيب كبير في هذا الذنب...لقد خيرتك قديما ومنعني العناد والغضب بعدها سنوات طويلة أن أرجع عن قراري...سامحيني
- سأفعل إذا سامحتني
- لقد فعلت ذلك منذ زمن طويل.. نظرت في عينيه ...كانت هناك تلك النظرة الحانية الصافية التي حملت معها ذكرى أول لقاء جمعهما...يوم أن نظر لها نفس النظرة فأحبته وقررت أن تكون له...ولكنها لم تكن تعلم أن ثمن ذلك التخلي عن كل أحلامها ، عاشت في حيرة فترات طويلة ثم بدأت الحيرة تتحول لتعاسة ثم استسلمت ولكن عندما لاحت لها فرصة جديدة لتحقيق الأحلام أقتنصتها وقررت أن لا تفرط فيها مهما كان الثمن...وكان الثمن باهظا...دفعته وعاشت من جديد في حيرة وتعاسة ولكنها لم تستسلم هذه المرة...كانت تحاول باستمرار أن تتواصل مع ابنها ولكنها لم تجد إلا الصد والرفض حتى جاء اليوم الذي تحقق فيه دعاءها وعاد لها من جديد ولكن بعد أن طحنها الزمن والحزن والألم...
وكأنه يقرأ ما يدور في أفكارها ومشاعرها
- مازالت الفرصة أمامك لتعوضي ما فات...لقد عاد أحمد لك .. - نعم... صمتا...نظرت للبحر ...كانت تبحث عن الكلمات...تبحث عن الشجاعة..مد يده ولمس كتفها...نظرت إليه... - ربما تمكنا من أن نظل أصدقاء ....هذا سيساعد إبننا كثيراً وسيسعده أيضاً .... لمعت عيناها...لقد كانت تبحث عن الكلمات وساعدها ------------------------ جلس أحمد بجوار مهرة : آسف يا مهرة.....لقد أصابتني كلمات الشيخ بالفزع...تخيلت أني لن أراك بعد اليوم وخشيت أن يكون قد حدث لك مكروه...... نظرت له مهرة مبتسمة في حنان : اتخيل كيف كان لقاؤك به ولهذا اعذرك....فقد استفزني أنا أيضا ...ولكنه رغم كل شيء جدي ولن أتمكن من كرهه... نظر لها صخر في حنان : تصورت أنك تكرهينه فعلا يا مهرة - ماذا سيفيدني كرهي له....رغم كل ما سببه لي ولأمي وأبي من تعاسة فهو قد فعل كل ذلك وهو يتصور أنه يفعل الصواب......أنا متأكدة أنه لو كان عنده شك في صحة ما فعل ما كان ليفعله...إختلافاتنا كبشر سببها أن كل منا له زاوية ينظر منها تختلف عن زواية الآخر ...هو ينظر بزواية العادات والتقاليد ....ونحن ننظر من زاوية الإنسانية الواحدة والمشاعر والحب الحقيقي...هو يرى ما نفعله خطيئة ونحن نرى ما يفعله خطأ...ولن نتمكن من التفاهم إلا إذا حاول كل منا النظر من زاوية الآخر ليرى الحقيقة من وجهة نظره... نظر أحمد لصخر: صخر فعل ذلك....نظر من زاويتنا وفهم موقفنا.. ضحكت مهرة: هو ينظر منها فعلا ولكن لأنها زاويته الخاصة .......صخر مثلنا يرى أن المشاعر والحب والإنسانية لهما كل الأولية على تقاليد مجحفة وظلمة تفرق ولا تجمع وتقسي القلوب وتقتل الحياة حولت مهرة نظرها تجاه عالية التي كانت تتأمل صخر بعينيها المكحلة من خلف النقاب ... نهض أحمد وتحرك نحو صخر ومد له يده: هل تقبل إعتذاري .. صافحه صخر....أكمل أحمد ومازالت يده في يد صخر: وهل تقبل أن تزوجني أختك؟ تورد وجه مهرة وخفضت رأسها واقتربت منها عالية تحتضنها وتنظر لصخر متطلعة ماذا سيقول: - إذا وعدتني أن تحافظ عليها وترعاها وأن تجعلها سعيدة....وإذا وعدتني أن لا تتسبب في بكاءها بعد اليوم.... - أعدك ... - وأهلك؟ - أبي وأمي في المدينة ينتظران عودتنا...إذا أردتهم أن يحضروا ... - سآتي لزيارة مهرة قريبا وأرجو أن أراهم لنتكلم في هذا الموضوع معا جميعا... نظر صخر لمهرة في حنان: سآتي لأتأكد أن مهرة ستعيش بينكم في رعاية وسعادة وإذا إطمئننت لذلك سأضع يدي في يدك ونقرأ الفاتحة رفعت مهرة وجهها ونظرت لأخيها في سعادة حقيقية ...تقدمت منه والقت نفسها على صدره وسالت دموعها - لماذا البكاء الآن؟ - لأني وجدتهم أخيرا....وجدت أهلي...أنت أهلي يا صخر...... - مشهد مؤثر....هل أبكي أنا أيضا؟ نظر الجميع تجاه الصوت......كان حسان يقف عند مدخل البيت تقدم نحوه صخر.. - ماذا تفعل هنا؟ - جئت أحتفل معكم بهذه المناسبات السعيدة....عودة أختك وخطوبتها لأبن المدينة.....ولكن أليس ذلك ضد تقاليد القبيلة الصارمة التي لا تغفر يا صخر أم نسيت. - أخرج من هنا يا حسان لا مكان لك هنا ولا دخل لك فيما بيننا - بل لي دخل...أليست تلك التقاليد هي التي جعلتكم تجتمعون وتقررون التبرأ مني وطردي خارج القبيلة ....هل تغيرت أم هي تطبق على وحدي دونكم.. - لا تخلط الأمور يا حسان ولا تشبه الأفعال التي تقوم بها بما يحدث هنا - أعتقد أن الشيخ صابر وباقي شيوخ القبيلة سيكون لهم رأي آخر... نظر له الجميع وتبادلوا النظرات المستفهمه فيما بينهم:أعتقد أن الشيخ صابر إذا عرف بما تدبر معهم يا صخر فإنه لن يتردد عن طردك أنت أيضا خارج القبيلة....ولو لم يفعل لأشعلتها أنا نارا عليكم واتهمتكم أنكم تكيلون بمكيالين وسأحرض كل شباب القبيلة عليكم......ليس هذا فقط بل سأخبر الجميع بالحقيقة.. قال له صخر في غضب مكتوم:أي حقيقة؟ - حقيقة أمك يا.....يا فارس القبيلة المغوار..... لكمه صخر في وجهه فسقط أرضا: إياك أن تنطق بشيء عن أمي يا نجس فهي أشرف من أن يمس اسمها لسان كلب مثلك نهض حسان وهو يمسح خيط الدم عن وجهه: ستدفع الثمن يا صخر....جاء الوقت لتدفع ثمن كل ما فعلته أنت وجدك بي ...سأفضح أمركم وأخبر جدك بما تنوي أن تفعله وسأخبر أهل القبيلة بحقيقة ما حدث قديما وإلا تتراجعون عن قراركم بشأني وليس هذا فقط بل تزوجوني منكم.......ولقد إخترت عروستي منذ زمن طويل.. نظر نحو عالية التي ظهر الرعب في عينها: عالية هي من أريد.. لكمه صخر من جديد : يا حقير كيف تجرؤ؟ - الحساب يزيد بهذه اللكمة يا صخر..كنت أنوي أن أعطيك يومين لتفكر في عرضي ولكن الآن أريد الرد غدا صباحا وإلا........ نظر لهم جميعا بسخرية وبصق على الأرض وذهب مسرعا ..... هم صخر باللحاق به فامسكه أحمد: لم أكن أعلم أنه خسيس هذا الحسان...ماذا سنفعل به؟ - ساتصرف.. هيا الآن خذ مهرة واذهب واترك الأمر لي.. - ولكن يا أخي أنا سبب كل هذه المشكلة...لو لم أحضر ماكانت الأمور تأزمت بهذا الشكل...كيف أذهب الآن وأتركك.. - وجودك لن يفعل شيئا - بل سيفعل...سأواجه الجميع وأخبرهم الحقيقة حتى يصدقوا أن أمي لم تخطأ....وعندها لن يكون عند حسان شيء يفعله - الأمر ليس بهذه السهولة يا مهرة.... - لن أعود...سأنتظر حتى أرى ما سيحدث...ربما بقائي هنا يساعد بأي شكل...على الأقل لن يصدق جدي حسان حينما يقول له أنك أتفقت معي على الهرب..وسنكون جميعا يد واحدة في مواجهته. - ولكن....... - لقد اتخذت قراري ولن أتراجع....لن أعود الآن. نظر صخر لأحمد الواقف خلفها.......نبهتها نظراته......التفتت له:أحمد أريد أن أتحدث معك في الخارج. خرجا.....رفعت عالية النقاب ونظرت لصخر في صمت والألم في عينها ..نظر لها صامتا هو أيضا وقد اختفى الصفاء من عينيه وحل محله القلق ... في الخارج وقفت مهرة وأحمد أمام السيارة: لن أتمكن من العودة الآن حتى ينتهي الأمر - وإذا استبقاك جدك عنوة؟ - لن يفعل ...وصخر هنا سيساعدني.. - سأبقى حتى نعود معا. - لا، وجودك لن يفيد بل قد يعقد الأمور....اذهب وسألحق بك - فراق آخر يا مهرة..؟ - لا تكن متشائما....... - لم أعد أستطيع تحمل هذا البعد احتضنته: سأعود...وسنتزوج وسننجب أطفالا ونحكي لهم هذه القصة ....سنحكيها لهم ونحن نضحك من هذه الأيام وما حدث فيها ضمها بقوة لصدره : أحبك.. ابتعدت عنه وداعبت وجهه بأناملها: وأنا أيضا... ودعته وانطلقت السيارة عائدة....ظلت تلوح حتى غاب عن ناظرها.... خرج صخر وعالية: هل ستعودين معنا أم ستمكثين هنا - بل سأعود.... في الطريق اقتربت من صخر: هناك ثأر لي عند هذا الحسان.....يجب أن أعيد عقد أمي .. نظر لها في صمت وساروا جميعا نحو القبيلة

تابع(البيت الخشبي)

(18) أفاقت ....لمحته بجوارها.همست: أحمد؟.. أمسك يدها....بدأت الصورة تتشكل بوضوح أكثر.....رفعت رأسها: أين أنا؟ نظرت له: صخر...... ابتسم لها : حمدلله على سلامتك...... - أين أنا؟ - في بيتك.. - بيتي؟ - نعم...القبيلة.....هنا بيتك....وسط أهلك.... نظرت له في مرارة: ظننت أني في منزل والدي بالمدينة.... ابتسم في حنان....دخلت عالية بطعام الإفطار..... - لقد استيقظتي أخيرا.....لقد سهر صخر بجوارك طوال اليل... نظرت لصخر....لم تتعود بعد على فكرة أنه أخوها.....تشعر بغرابة الموقف.....تشعر بغربة ... نهض صخر: سأتركك لتتناولي إفطارك ...وسأنتظرك بالخارج..... لمحت في عينيه أشياء.....نظرت له متسائلة: - سنجرب معا أول حوار أخوي بين أخت وأخيها...... -------------------- وجدته جالسا كما أخبرتها عالية عند البئر المهجورة .... - ماذا قال لك جدك؟ ابتسم...أكملت: أعلم أنه لا يريدني هنا.....هل هذا هو ما تريد أن تحدثني بشأنه؟ - من هو أحمد؟ - من؟ - لقد ناديتني باسمه اليوم عندما استيقظتي....هل هو صاحب الصورة التي رأيتها في البيت الخشبي - نعم؟ إنه شاب تعرفت عليه في مدينتي .... - هل هناك شيء بينكما - تقصد كما كان بين أمي وأبي؟ - هل هو كذلك؟ - نعم...إنه يحبني وأنا أيضا أحبه وعندما حضرت إلى هنا كنت أبحث عن أهل يضعون يدهم في يده عندما يتقدم لطلب الزواج مني ويقفون بجواري في يوم زفافي .... - هل هذا هو السبب الوحيد الذي كنتي تبحثين عنا من أجله؟ -لا....قبل أن أتعرف عليه كنت أحتاج للشعور بالآمان....كنت أحتاج أهلا أثق فيهم وأعتمد عليهم....حاولت كثيرا أن أصل لكم ولكني لم أتمكن من ذلك حتى دخل أحمد حياتي وساعدني.....لولاه ماكنت هنا الآن.. - لو اضطررت للإختيار الآن بين الأهل وبين أحمد....من ستختاري يا مهرة؟ نظرت مهرة بعمق في عينيه....ابتسمت في سخرية: هل أنا مضطرة للإختيار؟ - أفترضي ذلك.. - لن أفترض....أخبرني...هل أنا مضطرة.... - جدي وضع شروطا.. - أرفض شروطه...... - هل تريدين أن تسمعيها أولا.. - لا تهمني....لقد عقدت عزمي....سوف أعود....سأعود لبيتي... - لا أفهمك يا مهرة......هل جئت كل تلك المسافة لتبحثي عن أهلك ثم تتركيهم بعد أن تعرفتي عليهم....الم تعودي في حاجة للإحساس بالأمان ...الم تعودي في حاجة لأهلك...أم أنها كانت مجرد مغامرة ليس إلا.. - لن تفهمني لأنك لا تعرفني.....وهذا هو سبب قراري....أنتم لا تعرفوني....لقد نسيتموني بإرادتكم منذ زمن طويل..وأنا جئت أبحث عنكم ولكني لم أجدكم......أنا أشعر بالغربة هنا....لقد صدمت في كل شيء....لا أمان هنا.....فقط قهر وظلم واستبداد....لن أرضخ لهذا....أمي رضخت له ولكني لن أفعل......سأعيش حياتي كما أريد أنا ليس كما تفرضونها على بشروطكم.....تريدون أن تبيعوا لي الآمان والأهل بحريتي وحياتي كلها.....لا أريد أن أشتري منكم وليس عندي رغبة أن أدفع لكم هذا الثمن الباهظ....لا تستحقوه..... - ليس لي ذنب فيما حدث قديما لتحاسبيني يا مهرة.. - ربما ولكنك لن تستطيع إلا أن تفكر في أن تعيد القصة من جديد......الست مثلهم تريد تطبيق قانونكم المستبد.. - أنا لا أفكرفي شيء......أنا أريد مصلحتك وسعادتك - إذا كان هذا حقيقي أتركني أرحل .... - جدي لن يعترف بك إذا ذهبت. - هل ستعترف أنت بي إذا ذهبت؟ - أنا معترف بك يا مهرة ....لا أستطيع أن أنكرك...... - نعم، ستعترف بي بيني وبينك فقط.....لن تعلنها على الملأ إذا رحلت حتى لا تغضب جدك - الأمور هنا معقدة يا مهرة..... - سأبسطها لك......لن أطالبك بالأعتراف أمام عالمك....فعالمك لا أريده......أعترف بذلك في عالمي....ضع يدك في يد من أخترته للزواج وارفع رأسي......وأعدك أني لن أعود ولكن إذا أردت رؤيتي فبيتي سيكون مفتوحا لك دوما.... - هل هذا قرارك الأخير.. - نعم.... - حسنا يا مهرة....حسنا.....

السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٨

تابع(البيت الخشبي)

(17)
الشيخ يجلس وحيداً ملامحه تحمل هماً وحزناً وألماً ...تدخل الجدة فاطمة وخلفها صخر ...الجدة تنظر نحوه في إشفاق ........صخر ينظر نحوه في غضب مكتوم .... يشعر بوجودهما فتعود ملامحه لصرامتها وقسوتها تهمهم الجدة في حزن: الفتاة مريضة جدا...أصابتها الحمى...وتهزي لم يعلق الجد بشيء...جلس صخر أمامه : لماذا يا جدي؟ نظر له الجد : سألني أبوك نفس السؤال يومها...كان مثلك لم يفهم...ماحدث كان يجب أن يحدث..يجب أن تفهم ذلك - لماذا كان يجب أن يحدث يا جدي؟ - لا أصدقك يا صخر...لقد ربيتك لتكون مكاني في يوم من الأيام ثم تأتي لتسألني هذا السؤال اليوم..ألا تفهم أن هذه أعرافنا...الفتاة لا تتزوج من خارج القبيلة وإلا تتبرأ منها القبيلة ويهدر دمها...ورغم ذلك فقد غفرت لها ما فعلت وأنقذتها من النفي خارج القبيلة ومن القتل على يد رجالها...بل أنقذت حياة إبنتها وتركتها لأبوها... ضحك صخر في عصبية: غفرت لها وأنقذتها يا جدي؟...هل هذا ما تقنع نفسك به؟ ... نظر له جده في غضب هادر: لا تتعدى حدودك يا فتى..مازلت أنا شيخك وشيخ القبيلة ومازلت أنت فتى أغر لا تفهم .. - بل أفهم جيدا يا جدي...ولذلك لن أكرر الأخطاء...لقد قررت أن أعترف أمام الجميع بأختي ولن أتخلى عنها أبدا.. - ماذا تقول...هل جننت... - لن أرمي لحمي يا جدي....كيف أحيا وأنا أعلم أن لي أخت وحيدة في هذه الحياة ليس لها غيري ..كيف أحيا إذا خذلتها وتخليت عنها...لقد علمتني كيف أكون فارسا رجلا يا جدي...ولن أكون الآن غير ذلك.. - أنت تعصاني يا صخر وهذا سيكلفك الكثير.. - هل ستهدر دمي أنا الآخر يا جدي.. صمت الجد وهو ينظر له نظرات نارية .. - يا جدي ..الناس تأتي لك لتحكمك في أمورها بالعدل.....كيف تحكم لهم به وتحكم على أقرب الناس لك ظلما. صمت الجد ونظر للأرض......طال صمته وتفكيره وتبادل صخر وجدته النظرات القلقة...أخيرا رفع الجد رأسه ونظر لهما بحزم وقوة: سأعترف بها على شرطين.. تنفس صخر الصعداء ....ولكن الجدة كانت حذرة..قالت في قلق: أي شرطين يا شيخ؟ - أولهما أن تبقى هنا ولا تعود لتلك المدينة التي كانت تعيش بها......تقطع كل صلتها بذلك المكان ..إذا كانت تريد أهلا فيجب أن تبقى معهم وتسير وفقا لعاداتهم وأصولهم ...والأصول تقضي بأن لا تحيا الفتاة بمفردها في بلد بعيد عن أهلها...والشرط الثاني أن تتزوج من القبيلة . تبادل صخر وجدته النظرات وتقدم صخر من جده- ولكن يا جدي ، لقد عاشت عمرها كله تحيا حياة تختلف عنا ومازالت تدرس في الجامعة....وليس من أبناء القبيلة من أكمل دراسته مثلها ....ربما يكون هناك من أهل المدينة من يناسبها فنزوجها له و...... - ماذا تقول؟ ...لا أصدق أذني...من أين جئت بهذه الأفكار...الم تقضي عمرك كله في هذا المكان وتفهم كيف تسير الأمور فيه ، هل نسيت عاداتنا ومواريثنا التي حافظنا عليها طوال الأجيال ...تأتي اليوم وأنت حفيد شيخ القبيلة وزعيمها القادم وتتفوه بهذه الترهات ...لقد خاب أملي فيك
- يا جدي يجب أن نتعامل مع الأمر بشيء من المرونة....فما تطلبه ليس من السهل تحقيقه
-لقد أصدرت حكمي يا فتى ولا جدال فيه ، هذه هي شروطي...أقبلوها أو تخرج من هنا ولا تعود وتنسى أن لها أهلا في هذا المكان
- هل تعتقد يا جدي أن ما تمردت عليه أمي قديما ورفضته - وهي قد عاشت عمرها كله على تقاليدنا وموروثاتنا - من الممكن أن تخضع له اليوم ابنتها التي عاشت طوال حياتها بعيدة عنا ...سوف نخسرها بهذا الشكل يا جدي ، يكفي صدمتها بعد أن سمعت ما فعلته بأمها وأبيها..
- ومن قال لك أنه يهمني أن تبقى أو ترحل......ما يهمني فقط هو أن تظل عاداتنا وأعرافنا وموروثاتنا مصانة لا تمس ولا تهان....هيبتك وشرفك كزعيم تأتي من إحترامك لقوانين قومك وتطبيقها حتى لو كانت على حساب أقرب الناس إليك...هل تفهم؟
-للأسف يا جدي لا أفهم....لا أفهم لأن الصحراء علمتني قوانين لله في أرضه وهي تختلف عن ما تقول.....لقد علمتني أن لا شيء ثابت، كل شيء متغير ولا يبقى شيء على حاله طوال الوقت...الصحراء تقلب وجهها بين الفصول بل تقلب وجهها في اليوم الواحد مئات المرات...هل شكل الكثبان الرملية من حولنا هي نفسها التي كانت بالأمس؟ ، وهل ستظل كما هي حتى الغد؟...النجوم يا جدي في السماء تتغير ..لا أفهمك يا جدي لأني تعلمت من الوافدون علينا من كل بقاع العالم ....علموني أن الشيء الواحد من الممكن أن نراه آلاف الأشياء كلما اختلفت عدسة العين التي تنظر والروح التي تشعر وتدرك والعقل الذي يترجم كل ذلك لمعاني وأفكار محسوسة وملموسة...
نعم نحن نعيش هنا يا جدي...ولكن في الخارج، من حولنا يعيش عالم كامل إذا أردنا أن نحافظ على بقاءنا فيجب أن نفهم ذلك العالم ونكون قادرين على التعامل معه وليست الطريقة الصحيحة للبقاء هي رفضه ونبذه وإقامة مزيد من الأسوار حولنا...سوف نختنق داخلها يا جدي ولن نستطيع الحياة ....أعطي للناس فرصة يا جدي ليتعرفوا على الحقيقة ويقيمونها ويختارون لأنفسهم ما يناسبهم...أرجوك
نظر له جده والغضب يتقاذف من عينه........أعطاه ظهره وصمت دون رد
- جدي.......
رفع الجد يده ودون أن يلتفت له قال: انتهى الكلام يا صخر...سأجتمع مع شيوخ القبيلة وأخبرهم بما قررت ليصبح موضع التنفيذ ...وعليك أن تخبرها لتختار...إما نحن أو حياتها الأخرى بعيدا عنا.. أطرق صخر قليلا ثم رفع رأسه ونظر لجده مليا.....التفت له جده وبادله النظرات الحازمة المتحدية..... ------------------------------- وقف أحمد عند مدخل القاعة ينظر للخارج في قلق وينظر في ساعته في توتر....أقترب منه أمجد ونهاد: - لم تأتي بعد.. - لا تقلق يا أحمد لا بد أنها في الطريق - أشعر أن هناك شيء قد حدث...إنها لا ترد على الهاتف... أقتربت أمه...: أحمد..هيا بنا ستبدأ الندوة بعد دقائق.... - مهرة لم تحضر بعد... - لقد وعدتك وستأتي....هيا الآن الكل ينتظرك.. نظر له أمجد مطمأنا: أذهب أنت يا أحمد ....سنحاول الإتصال بها مجددا.... (ذرات الرمال في عالمي شاطئا...ذرات الرمال في عالمك صحراء.....شاطئي يجف عنه الماء فيتحول صحراءك ، وصحراؤك يغذوها الفيضان فتتحول شاطئي...هل الذرات تهاجر ...هل لها نفس التكوين والذات...هل إذا وضعنا ذرات الشاطئ بجوار ذرات الصحراء يمتزجوا فلا نستطيع أن نفرق أيهما عن الآخر...هل عندما أمتزجنا، عقلا وقلبا وروحا وجسدا ، هل يمكن أن يفرقوا بين ملامحنا.....هل سيتعرفون بعد هذا الميلاد الجديد علينا...هل سيعلمون من أنا ومن أنت أم سيختلط عليهم الأمر .....أخشى أن يتعرفوا علينا.... سينفطر قلبي إن حدث.....سأعلم حينها أن كل شيء لم يكن إلا مجرد....حلما....) أحمد يقرأ مقطعا من روايته وكل خلية منه تشعر بخوف مبهم لا يعرف سببا له......إحساس بالبرودة يسري في أطرافه وحبات من العرق يتفصد لها جبينه....فلبه ينتفض في عنف.... --------------------------------- عالية تمسح العرق عن جبين مهرة......صخر يجلس بجوارها يتطلع لوجه مهرة... - الشيخ عامر قال أن التركيبة التي أعطاها لها سيظهر تأثيرها بعد ساعة..... لم يرد عليها صخر.....ظل صامتا ينظر لأخته النائمة.. - لا أصدق ما حدث .....كأنه حلم..... تأملت صمت صخر....نظرت له بإشفاق: ماذا قال الشيخ صابر....هل ستبقى معنا؟ لم يرد صخر.....قام واقفا وغادر....ركب فرسه الأشهب وانطلق به مبتعدا نحو الصحراء .... ------------------- كان يجلس في ركن مظلم بعيداً عن باقي الرجال يدخن سيجارة ملفوفة والدخان يحوم حول عينه الحمراء ووجهه الذي يملؤه التجاعيد والندوب ...... أحد المساجين ينادي عليه : مالك يا أبو "جعفر"..... ولكن "جعفر" صامت لا يجيب.....يهمس الرفقاء فيما بينهم: - اليوم هو ميعاد زيارة زوجته.... - الزيارة الأخيرة .....بعد غد سيصبح حراً .... - ينتوي الشر ......لن يترك من وشى به..... - من تقصد؟ - لم يقل شيئاً منذ حكم عليه ولكنه ينتوي الثأر.......هو قال ذلك... كان ينظر لظهورهم ويتصنت لحديثهم دون رد......عيناه تلمع في الظلام والدخان المتجمع يزداد كثافة ..... صوت الباب المعدني يفتح ويصيح الصوت الجهوري منادياً عليه: عندك زيارة.....المدام..... قام واقفاً وألقى السيجارة تحت قدمه ، وخرج مع الحارس........ ---------------------- أحتضنته أمه بقوة بعد إنتهاء الندوة والدموع تلمع في عينها....ربت والده على كتفه مهنئا وشد أمجد على يده وملئت نهاد الجو بضحكاتها ....لم يكن أحمد بينهم......كان منطلقا بعقله وقلبه خلف مهرة.... - سأسافر الآن... لم ينتظر أن يسمع رأي أحد.....خرج مسرعا ....

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com