السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٨

تابع(البيت الخشبي)

(17)
الشيخ يجلس وحيداً ملامحه تحمل هماً وحزناً وألماً ...تدخل الجدة فاطمة وخلفها صخر ...الجدة تنظر نحوه في إشفاق ........صخر ينظر نحوه في غضب مكتوم .... يشعر بوجودهما فتعود ملامحه لصرامتها وقسوتها تهمهم الجدة في حزن: الفتاة مريضة جدا...أصابتها الحمى...وتهزي لم يعلق الجد بشيء...جلس صخر أمامه : لماذا يا جدي؟ نظر له الجد : سألني أبوك نفس السؤال يومها...كان مثلك لم يفهم...ماحدث كان يجب أن يحدث..يجب أن تفهم ذلك - لماذا كان يجب أن يحدث يا جدي؟ - لا أصدقك يا صخر...لقد ربيتك لتكون مكاني في يوم من الأيام ثم تأتي لتسألني هذا السؤال اليوم..ألا تفهم أن هذه أعرافنا...الفتاة لا تتزوج من خارج القبيلة وإلا تتبرأ منها القبيلة ويهدر دمها...ورغم ذلك فقد غفرت لها ما فعلت وأنقذتها من النفي خارج القبيلة ومن القتل على يد رجالها...بل أنقذت حياة إبنتها وتركتها لأبوها... ضحك صخر في عصبية: غفرت لها وأنقذتها يا جدي؟...هل هذا ما تقنع نفسك به؟ ... نظر له جده في غضب هادر: لا تتعدى حدودك يا فتى..مازلت أنا شيخك وشيخ القبيلة ومازلت أنت فتى أغر لا تفهم .. - بل أفهم جيدا يا جدي...ولذلك لن أكرر الأخطاء...لقد قررت أن أعترف أمام الجميع بأختي ولن أتخلى عنها أبدا.. - ماذا تقول...هل جننت... - لن أرمي لحمي يا جدي....كيف أحيا وأنا أعلم أن لي أخت وحيدة في هذه الحياة ليس لها غيري ..كيف أحيا إذا خذلتها وتخليت عنها...لقد علمتني كيف أكون فارسا رجلا يا جدي...ولن أكون الآن غير ذلك.. - أنت تعصاني يا صخر وهذا سيكلفك الكثير.. - هل ستهدر دمي أنا الآخر يا جدي.. صمت الجد وهو ينظر له نظرات نارية .. - يا جدي ..الناس تأتي لك لتحكمك في أمورها بالعدل.....كيف تحكم لهم به وتحكم على أقرب الناس لك ظلما. صمت الجد ونظر للأرض......طال صمته وتفكيره وتبادل صخر وجدته النظرات القلقة...أخيرا رفع الجد رأسه ونظر لهما بحزم وقوة: سأعترف بها على شرطين.. تنفس صخر الصعداء ....ولكن الجدة كانت حذرة..قالت في قلق: أي شرطين يا شيخ؟ - أولهما أن تبقى هنا ولا تعود لتلك المدينة التي كانت تعيش بها......تقطع كل صلتها بذلك المكان ..إذا كانت تريد أهلا فيجب أن تبقى معهم وتسير وفقا لعاداتهم وأصولهم ...والأصول تقضي بأن لا تحيا الفتاة بمفردها في بلد بعيد عن أهلها...والشرط الثاني أن تتزوج من القبيلة . تبادل صخر وجدته النظرات وتقدم صخر من جده- ولكن يا جدي ، لقد عاشت عمرها كله تحيا حياة تختلف عنا ومازالت تدرس في الجامعة....وليس من أبناء القبيلة من أكمل دراسته مثلها ....ربما يكون هناك من أهل المدينة من يناسبها فنزوجها له و...... - ماذا تقول؟ ...لا أصدق أذني...من أين جئت بهذه الأفكار...الم تقضي عمرك كله في هذا المكان وتفهم كيف تسير الأمور فيه ، هل نسيت عاداتنا ومواريثنا التي حافظنا عليها طوال الأجيال ...تأتي اليوم وأنت حفيد شيخ القبيلة وزعيمها القادم وتتفوه بهذه الترهات ...لقد خاب أملي فيك
- يا جدي يجب أن نتعامل مع الأمر بشيء من المرونة....فما تطلبه ليس من السهل تحقيقه
-لقد أصدرت حكمي يا فتى ولا جدال فيه ، هذه هي شروطي...أقبلوها أو تخرج من هنا ولا تعود وتنسى أن لها أهلا في هذا المكان
- هل تعتقد يا جدي أن ما تمردت عليه أمي قديما ورفضته - وهي قد عاشت عمرها كله على تقاليدنا وموروثاتنا - من الممكن أن تخضع له اليوم ابنتها التي عاشت طوال حياتها بعيدة عنا ...سوف نخسرها بهذا الشكل يا جدي ، يكفي صدمتها بعد أن سمعت ما فعلته بأمها وأبيها..
- ومن قال لك أنه يهمني أن تبقى أو ترحل......ما يهمني فقط هو أن تظل عاداتنا وأعرافنا وموروثاتنا مصانة لا تمس ولا تهان....هيبتك وشرفك كزعيم تأتي من إحترامك لقوانين قومك وتطبيقها حتى لو كانت على حساب أقرب الناس إليك...هل تفهم؟
-للأسف يا جدي لا أفهم....لا أفهم لأن الصحراء علمتني قوانين لله في أرضه وهي تختلف عن ما تقول.....لقد علمتني أن لا شيء ثابت، كل شيء متغير ولا يبقى شيء على حاله طوال الوقت...الصحراء تقلب وجهها بين الفصول بل تقلب وجهها في اليوم الواحد مئات المرات...هل شكل الكثبان الرملية من حولنا هي نفسها التي كانت بالأمس؟ ، وهل ستظل كما هي حتى الغد؟...النجوم يا جدي في السماء تتغير ..لا أفهمك يا جدي لأني تعلمت من الوافدون علينا من كل بقاع العالم ....علموني أن الشيء الواحد من الممكن أن نراه آلاف الأشياء كلما اختلفت عدسة العين التي تنظر والروح التي تشعر وتدرك والعقل الذي يترجم كل ذلك لمعاني وأفكار محسوسة وملموسة...
نعم نحن نعيش هنا يا جدي...ولكن في الخارج، من حولنا يعيش عالم كامل إذا أردنا أن نحافظ على بقاءنا فيجب أن نفهم ذلك العالم ونكون قادرين على التعامل معه وليست الطريقة الصحيحة للبقاء هي رفضه ونبذه وإقامة مزيد من الأسوار حولنا...سوف نختنق داخلها يا جدي ولن نستطيع الحياة ....أعطي للناس فرصة يا جدي ليتعرفوا على الحقيقة ويقيمونها ويختارون لأنفسهم ما يناسبهم...أرجوك
نظر له جده والغضب يتقاذف من عينه........أعطاه ظهره وصمت دون رد
- جدي.......
رفع الجد يده ودون أن يلتفت له قال: انتهى الكلام يا صخر...سأجتمع مع شيوخ القبيلة وأخبرهم بما قررت ليصبح موضع التنفيذ ...وعليك أن تخبرها لتختار...إما نحن أو حياتها الأخرى بعيدا عنا.. أطرق صخر قليلا ثم رفع رأسه ونظر لجده مليا.....التفت له جده وبادله النظرات الحازمة المتحدية..... ------------------------------- وقف أحمد عند مدخل القاعة ينظر للخارج في قلق وينظر في ساعته في توتر....أقترب منه أمجد ونهاد: - لم تأتي بعد.. - لا تقلق يا أحمد لا بد أنها في الطريق - أشعر أن هناك شيء قد حدث...إنها لا ترد على الهاتف... أقتربت أمه...: أحمد..هيا بنا ستبدأ الندوة بعد دقائق.... - مهرة لم تحضر بعد... - لقد وعدتك وستأتي....هيا الآن الكل ينتظرك.. نظر له أمجد مطمأنا: أذهب أنت يا أحمد ....سنحاول الإتصال بها مجددا.... (ذرات الرمال في عالمي شاطئا...ذرات الرمال في عالمك صحراء.....شاطئي يجف عنه الماء فيتحول صحراءك ، وصحراؤك يغذوها الفيضان فتتحول شاطئي...هل الذرات تهاجر ...هل لها نفس التكوين والذات...هل إذا وضعنا ذرات الشاطئ بجوار ذرات الصحراء يمتزجوا فلا نستطيع أن نفرق أيهما عن الآخر...هل عندما أمتزجنا، عقلا وقلبا وروحا وجسدا ، هل يمكن أن يفرقوا بين ملامحنا.....هل سيتعرفون بعد هذا الميلاد الجديد علينا...هل سيعلمون من أنا ومن أنت أم سيختلط عليهم الأمر .....أخشى أن يتعرفوا علينا.... سينفطر قلبي إن حدث.....سأعلم حينها أن كل شيء لم يكن إلا مجرد....حلما....) أحمد يقرأ مقطعا من روايته وكل خلية منه تشعر بخوف مبهم لا يعرف سببا له......إحساس بالبرودة يسري في أطرافه وحبات من العرق يتفصد لها جبينه....فلبه ينتفض في عنف.... --------------------------------- عالية تمسح العرق عن جبين مهرة......صخر يجلس بجوارها يتطلع لوجه مهرة... - الشيخ عامر قال أن التركيبة التي أعطاها لها سيظهر تأثيرها بعد ساعة..... لم يرد عليها صخر.....ظل صامتا ينظر لأخته النائمة.. - لا أصدق ما حدث .....كأنه حلم..... تأملت صمت صخر....نظرت له بإشفاق: ماذا قال الشيخ صابر....هل ستبقى معنا؟ لم يرد صخر.....قام واقفا وغادر....ركب فرسه الأشهب وانطلق به مبتعدا نحو الصحراء .... ------------------- كان يجلس في ركن مظلم بعيداً عن باقي الرجال يدخن سيجارة ملفوفة والدخان يحوم حول عينه الحمراء ووجهه الذي يملؤه التجاعيد والندوب ...... أحد المساجين ينادي عليه : مالك يا أبو "جعفر"..... ولكن "جعفر" صامت لا يجيب.....يهمس الرفقاء فيما بينهم: - اليوم هو ميعاد زيارة زوجته.... - الزيارة الأخيرة .....بعد غد سيصبح حراً .... - ينتوي الشر ......لن يترك من وشى به..... - من تقصد؟ - لم يقل شيئاً منذ حكم عليه ولكنه ينتوي الثأر.......هو قال ذلك... كان ينظر لظهورهم ويتصنت لحديثهم دون رد......عيناه تلمع في الظلام والدخان المتجمع يزداد كثافة ..... صوت الباب المعدني يفتح ويصيح الصوت الجهوري منادياً عليه: عندك زيارة.....المدام..... قام واقفاً وألقى السيجارة تحت قدمه ، وخرج مع الحارس........ ---------------------- أحتضنته أمه بقوة بعد إنتهاء الندوة والدموع تلمع في عينها....ربت والده على كتفه مهنئا وشد أمجد على يده وملئت نهاد الجو بضحكاتها ....لم يكن أحمد بينهم......كان منطلقا بعقله وقلبه خلف مهرة.... - سأسافر الآن... لم ينتظر أن يسمع رأي أحد.....خرج مسرعا ....

0 comments:

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com