الجمعة، ١٧ أكتوبر ٢٠٠٨

تابع(البيت الخشبي)

(14)
كانت تقف في مريلة المطبخ تجهزطعام العشاء بعد أن قضيا اليوم كله في التجهيز والإعداد لتلك الندوة...كان يراقبها وتلك الذكريات الطفلة مازالت تلاحقه ... - كنت تحب مساعدتي في تقشير البطاطس... نظرت نحوه وعيناها تبتسم ...مدت يدها بطبق يحوي بعض الثمرات وسكين.. - هل تحب أن تجرب؟ إلتقط الثمرات ...كان ينزع القشرة وكثير من الذكريات الضاحكة تتواتر كالخيال ...صدرت عنه ضحكة مفاجأة .. نظرت نحوه في دهشة وتعجب ..كتم الضحكة في أعماقه وأكمل تقشير الثمرات...ولكن مرة أخرى تتجمع تلك الصور القديمة فتدغدغ قلبه ولا تتركه إلا وهو واقع في غيبوبة من الضحك لا يتوقف... تقترب منه وهي تضحك دون أن تعرف سبباً لتلك الحالة التي إنتابته..كأن تلك الحالة إنتقلت لها عبر رادارها الخاص فعاشتها دون أن تفهمها... - ماذا بك...هل تقشير البطاطس يضحك لهذه الدرجة؟ من بين ضحكاته لم يستطع أن يشرح موقفه في كلمات واضحة ...لم يجد إلا كلمة واحدة قد تحل الغموض أخرجها في صعوبة من بين ضحكاته... - شوربة البطاطس.. ثوانٍ وانطلقت ضحكاتها بعد أن إستجمعت تفاريق الذاكرة موقع تلك الكلمة من الماضي... في جمل يبترها الضحك إسترجعا معاً تلك الحادثة القديمة ... الذكريات تسترسل يشدها الحديث وتشد كلاً منهما نحو الآخر في عمق...تعجب من نفسه...حاول أن يبحث عن ذلك الحاجز القديم الذي كان يقف بينهما...شبحه يرقد في ركن معزول في دهاليز صدره ..يرقد في سلام....لا يرغب في إثارته...هو يحتاج لتلك اللحظات ...لذلك الإحساس المليء بالسعادة والدفء وعبق الأيام الطفلة.... أما هي فكانت تشعر أن العمر قد عاد بها القهقري وأن السعادة لو توصف لكانت تلك اللحظات التي تجمعها الآن بإبن عمرها العزيز... فقط كان ينقصها شيء واحد...أن تضمه لصدرها...إشتاقت لرأسه الصغيرة تُدفن في صدرها ....إشتاقت لهدهدته وتدليله ...إشتاقت لدور الأم ...وكيف كان لها أن تصير أماً بدون إبن...والأن هاهو أمامها ،معها...فلتستمتع بأمومتها.. لتصبح أما ًولو لبعض الوقت........ - هذا هو حلمي الأثير... خرجت منها الكلمات السارحة في لحظة شرود وهي تعد المائدة...سمع الكلمات ... - ما هو؟ تنبهت لنفسها... - ماذا؟! - حلمك الأثير... صمتت تستجمع الواقع من الشرود....إبتسمت ومرت بيدها تلمس وجهه ... - أنت...أنت حلمي ...حلم الأم... ------------------------ - هذا هو حلمي الخاص...أن أعرف من كانت أمي ... كانت تسير مع عالية خلف أغنامها نحو المرعى في صباح اليوم التالي....عندما قابلا صخراً ... - كيف حال الراعية الجديدة.. ضحكت مهرة في مرح وهي تحمل العنزة البيضاء الصغيرة... - هل قررت البقاء معنا ؟ - هل يضايقك وجودي؟ - على العكس...هذا سيكون أفضل فالبقاء في الصحراء وحيداً ليس دائماً آمناً ....بقاءك معنا سيكون أفضل لك. لمست مهرة في كلماته الجادة ونظراته الحازمة شيئاً من الإهتمام دائماً ما كان يداخلها كلما كان يتحدث إليها ..هذا الشيء الذي جعلها تشعر منذ اللحظة الأولى بتلك الراحة تسري في أعصابها وذلك الأمن يحتلها كأنها لم تبتعد عن بيتها ..لم تكن تدري سبباً منطقياً لكل هذا ...كانت تخشى أن تتوهم أشياءاً لها علاقة برغبتها القوية في العثور على عائلة تضمها... إنطلق مبتعداً فوق فرسه بعد أن أوصى عالية بأن لاتتأخر في المرعى حتى الغروب... - هل هو دائماً هكذا؟ - ماذا تقصدين يا مهرة؟ - على الرغم من سنه الصغير إلا أنه يشعرني كأنه أب لكل شخص هنا حتى الشيوخ...يمنح الكل إهتمامه ويخشى على الجميع .... تطلعت عالية بنظرها بعد أن رفعت النقاب مطمئنة أن لا أحد سيقطع عليهما هذه الخلوة في المرعى... - هذا هو صخر ...خلف حزمه وجديته يوجد قلب عطوف رقيق يمتلئ بالحب للجميع ويرعى الكل ...هو قوي في غير قسوة وحنون في غير ضعف ... نظرت لها مهرة مبتسمة...طافت صورة حبيبة في خيالها لوجه رقيق حزين كان يضحك لها ويضحكها .... جلستا على الصخور ترقبان الأغنام... - لقد حدثتني عن حياتك كلها ولم تحدثيني عنه. - تقصدين أحمد.. - نعم. - هذا هو الشيء الوحيد الذي لا أستطيع الحديث عنه. - لماذا؟ - هو جزء من الروح تعبر عن نفسها بلا كلمات ... رن هاتفها.......كان أحمد.... - تحدد ميعاد الندوة بعد غد. - بهذه السرعة؟ - بالتأكيد.....ساراك، اليس كذلك؟ - لقد وعدتك وسأفي بوعدي. - وأنا أيضاً سأفي بوعدي....عندما تأتي سأعرفك بأمي.... - هل حدثتها عني.. - ليس بعد ولكني سأفعل بالتأكيد....كيف الأحوال عندك - عندي إحساس أني أقترب ...سأريهم العقد، ربما..من يدري.. - تذكري مهما حدث فأنا معك.. - أعرف.....وأنا سعيدة من أجلك....أقصد بخصوص أمك.. - وأنا أحبك....أراك بعد غد... ----------------------- - اسمها مهرة.... كانت تجلس بجواره تستمع ... - اسمها جميل.. صمت ناظراً إليها... - هل أستطيع أن أراها يوماً ؟ ضحك ... - هي أيضاً تريد أن تراك... سرح ببصره ناظراً للفراغ... -ستعود يوم الندوة كما وعدتني... - أين هي؟ - هذه حكاية طويلة..... - كلي آذان صاغية... هم بالقيام مبتسماً .. - ربما مرة أخرى...يجب أن أذهب الآن... - هكذا سريعاً ...ظننتك ستبقى معي لبعض الوقت... -هناك الكثير من الأمور بخصوص عملي تحتاج الترتيب...سأكون هنا غداً مساءاً ...سأبيت معك تلك الليلة... - حقاً ... - بالتأكيد.. كانت نظرات السعادة والحنان تحتل ملامحها...ذلك الحلم الجميل في طريقه للتحقق من جديد على أرض الواقع... سيرحل....ولكنه سيعود... الآن هناك أمل.. -سأنتظرك... --------------------- - سأدخل لأحضر العقد..أنتظريني هنا.. إنتظرتها عالية في الخارج... لم يمضي وقت طويل حتى ظهرت مهرة على باب البيت تصرخ في جزع... - عالية... أسرعت عالية نحوها...دخلت المنزل...كانت مهرة في حالة من الجزع والهياج الشديدين تبعثر كل شيء - ماذا حدث... - لا أجده...مستحيل لقد كان هنا...أين ذهب... إنه الشيء الوحيد الذي كنت أستطيع الوصول به لأمي...كنت أريد أن أحضره للقبيلة ربما تعرف عليه أحد شيوخها....ربما تعرفت عليه جدتك ..ماذا أفعل الآن...ماذا أفعل... عندما يأست من العثور عليه أصابها اليأس ...سقطت وسط اللوحات المبعثرة وإنهارت باكية وجسدها يهتز في عنف... أسرعت عالية إليها وضمتها في صدرها تحاول تهدئتها وعقلها يعمل ... - هل رآه أحد معك... - لا...لم أريه لأحد .. - هل دخل حسان إلى المنزل في المرات القليلة التي زارك فيها. - نعم...أمس... صمتت عالية وهي تمسح على شعرها في حنان وتمسح الدموع عن وجهها وعلامات التفكير على وجهها... - سنعود للقبيلة وهناك سنخبر صخر بما حدث ...لا تقلقي سيجد العقد بإذن الله...

0 comments:

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com