(1)
استيقظت من نومها كعادتها كل يومٍ باكراً .
العالم من حولها خالٍ إلا من عرائسها الصغيرة في كل مكان،تمر عليها كلها واحدةً واحدةً ،تلقي عليها تحية الصباح .
تتخيل أحاديث تدور بينها وبينهم.
بعد الأفطار ترتدي ملابسها وتودعهم ثم تذهب لعملها.في سيارتها تفتح المسجل وتبدأ تحلم بصوت مسموع والمسجل يسجل صوتها.
تتخيل أشخاصاً حولها تحدثهم،مشكلة مرت بها في العمل تحاول إيجاد حلٍ لها عن طريق الحلم اليقظة.تتخيل أنها تحدث زملائها ،مديرها،تناقشهم وتعرض رأيها وتسمع آرائهم .والغريب أنها دائماً ما كانت تصل لحل مشكلتها بهذا الشكل فهي تعيد سماع صوتها في المسجل مراراً ،تعدل مرة في الحوار أو تغيره تماماً أو تضيف إليه حتى تصل لحلول وما إن تصل لعملها حتى تبادر الجميع بالحل الذي ينهي كل شئ بهدوء .
(2)
في عملها هي دائماً مبتسمة،لا تختفي الإبتسامة عن وجهها طوال النهار وكأنها جزء من وجهها خلقت بها.لا تتحدث كثيراًولكنها تظل تحلم مع نفسها.تحلم بأشياءكثيرة تريدها وتتمناها،بأشخاص وأماكن،تسرح أحياناً كثيرة في أحلامها ولكنها سرعان ما تنتبه لواقعها بتنبيه من أحد زملاءها اللذين تعودوا معها هذا التصرف ولكن لا أحد منهم يستطيع أن يقول أنه مُستاءٌ منه فقد كانت تؤدي عملها على أكمل وجه وكان هذا ما يحيرهم...كيف تفعل ذلك؟!!.
(3)
في منتصف النهار تبدأ فترة الراحة .
تنزل تسير في الشارع حتى تصل لمحل صغير يقدم وجبات خفيفة.
طوال سيرها تظل تنظر للناس والأطفال مبتسمة.قد تقف أحياناً تتابع بعينها وإبتسامتها بعض الأطفال يلعبون أويتشاجرون أو يتحدثون أو يضحكون.ثم ما تلبث أن تكمل سيرها حتى تصل للمطعم.
تجلس في مكانها المعتاد الذي لم تغيره منذ أول مرة جلست فيه.الكل من رواد المكان يعرف ذلك ويحرصون على أن يتركوه لها خالياً خاصة بعد تلك المشكلة التي حدثت عندما حضرت ذات يوم لتجد شخصاً يجلس في مكانها.الكل لا يدري ماذا أصابها ولكنها كانت مختلفة .كانت عصبية ومهتاجة وتكاد تبكي.تعجب الجميع لحالها وظنوا أنها غير طبيعية وقررالرجل الجالس أن يترك لها المكان وما إن فعل حتى عادت لطبيعتها كأن شيئاً لم يكن.الكل من يومها يتجنبها في ذلك المكان إلا شخصاً واحداً ،عاملاً صغيراً لا يتجاوز عمره الثانية عشرة يعمل هناك.كان هو دائماً من يحاول الأقتراب منها وتلبية طلباتها وكانت هي سعيدة به جداً تحدثه وتضحك معه وتحضر له معها في بعض الأحيان هدايا صغيرة.
في هذا اليوم عندما جلست في مكانها المعتاد انتظرت طويلاً أن يأتي صديقها ليسألها ماذا تريد ولكنه لم يأتي.أخذتها أحلام اليقظة كعادتها ،تتخيل ما يمكن أن يكون قد حدث له ومنعه من الحضور .كل أحلامها لم تقفز بها لأي أخطار بل كانت كلها بسيطة هادئة.طال إنتظارها حتى أقترب منها صاحب المكان.قال بتردد:إنه مريض.
نظرت إليه وكأنها لا تفهم الكلمة أو كأنها لم تسمعها قبلاً:مريض؟!!!!
أعطاها العنوان.عادت للعمل وظلت أحلامها مركزة على ذلك الصبي ومرضه. لاحظ الجميع أن إبتسامتها قد اختفت وأن قلقاً بدأ يظهر على وجهها.
( 4)
بعد العمل اتجهت مباشرة للعنوان وما زالت أحلامها ترافقها ولكنها أيضاً لم تصل بها لحد خطير.
عندما وصلت علمت بالحقيقة:مرض خطير ،حياة قد تنتهي بلا أمل.
ولكنها كانت في عالم آخر.
كل ما فهمته أنها قد لا تراه مرة أخرى.أصابها ذلك بخوف ورعب شديدين .لقد إعتادت رؤيته كل يوم.كيف لن تراه ثانية؟.كان هذا كل ما يشغلها وما زالت أحلامها ترافقها تتخيل ماذا سيكون حالها عندما يختفي من عالمها .
(5)
عادت لمنزلها .
كل العرائس ما زالت في مكانها كما هي.القت عليها نظرات سريعة .تخيلت:ماذا سيحدث يوماً لو أختفت كلها من حياتها؟ .لا، لن تختفي فهي ستظل دائماً هنا،هكذا قالت لنفسها ثم تساءلت:ولماذا لا يظل هو أيضاً هناك في مكانه المعتاد كهذه الدمى؟.
أجابت على نفسها:لأنه ليس مثلها.
عادت تسأل:لماذا لا يكون مثلها؟لماذا لا يكون كل شئ مثلها؟ نتركه ونعود فنجده.هذا يعطي أماناً أكثر فلا مجال لفقدنا أي شئ هكذا.
أجابت نفسها:ولكنه ليس شيئاً.إنه شخص،والأشخاص ليسوا ثابتين .هم متغيرون، يذهبون ويأتون وقد يختفون للأبد.
- ولكنني أكره ذلك.
- هذا هو الواقع.
-اكره الواقع.سأعود لعالمي.
نامت ،والغريب أنها لم تحلم حلماً واحداً في نومها ولم تفعل طوال عمرها،لم تحلم أبداً وهي نائمة.
(6)
علمت أنه مات.
ظلت طوال اليوم قابعة في ركن بمنزلها.لم تذهب لعملهاأو تخاطب أحداً .ظلت تحلم به وتحدثه ،تعاتبه وتخاصمه ثم تصالحه.أخذت تبكي بشدة ثم تهدأ ثم تعود لتبكي.نامت على هذا الوضع.
ظلت على حالتها تلك أياماً عديدة ،لا تأكل ولا تشرب ،فقط تحلم كأن الحلم يغنيها عن الحياة.تحلم وهي يقظة وتفقد القدرة على الحلم حين تنام ولذلك فقد حاولت التوقف عن النوم أيضاً لتظل تحلم وتحلم .
فبحلمها تعيش،تحيا وتتنفس.
(7)
بعد أسبوع رآها زملائها تعود لعملها كعادتها.
الإبتسامة فوق شفتيها كأنها جزء من وجهها.تقوم بعملها وهي تحلم.في منتصف النهار تغادر ثم تعود لتكمل عملها .
الشئ الوحيد الذي تغير هو ذلك المطعم فلم تعد تذهب هناك ................. ولكنها مازالت تحلم.
كتبت لأول مرة في يوليو2000
0 comments:
إرسال تعليق