(19)
كان حسان يتجول في الواحة بعد الظهر....وجده يسأل الناس عن القبيلة.....تقدم منه وهو يرمقه من أسفله لأعلاه بنظراته الخبيثة......
- هل تريد الذهاب لقبيلة جبران
- نعم.....
- أنا حسان...أحد أبناء القبيلة....
- تشرفنا.....اسمي أحمد...أحمد جمال الدين
- هل أستطيع أن أعرف لماذا تريد الذهاب هناك
- أبحث عن فتاة جاءت هنا منذ عدة أيام...
- آه..تلك الصغيرة صاحبة الضفيرة..
- هل تعرفها؟
- طبعا....كانت تسكن في البيت الخشبي ثم تركته وتقيم الآن عند شيخ القبيلة.....هل أنت أخوها؟...أم أنك...
- كيف أذهب إلى هناك؟
- سأوصلك وكله بثمنه.....هيا بنا....
ركب حسان السيارة مع أحمد...ظل يرمقه بنظراته ويعبث في ذقنه بأصابعه.....كان يشعر أن هناك شيء وراء تلك الحكاية قد يفيده....وكان حريصا على معرفة الحكاية ..سأله أحمد وقلقه يطل من عينيه:
- هل أنت متأكد أنها هناك وأنها بخير
- ولماذا لا تكون والكل مهتم بوجودها......حتى صخر ..
- صخر؟ من هو؟
- حفيد شيخ القبيلة ، منذ أن جاءت وهو لا يفارقها.....
نظر له أحمد والريبة والشك القلق يطل من عينه
- هل هو من أقاربها إذن؟
- من؟
- صخر.....هل هو قريب لأمها؟
- ماذا؟......أمها؟.....
همس حسان بهذا الكلام لنفسه مهمهما وهو يحاول أن يفهم.
- نعم لقد جاءت تبحث عن أهل أمها...هل وجدتهم عندكم في القبيلة....
سرح حسان بعقله بعيدا وهو يفكر فيما سمعه......تذكر العقد الأحمر ...تذكر زيارة صخر له وتهديده .....وإهتمام الكل بمهرة ....ولكن كيف تكون من القبيلة هي وأمها...هناك حلقة مفقودة...أخرجه أحمد من تفكيره
- هل عرفت أهلها؟
- لا تؤاخذني فهناك شيئا لا أفهمه.....المنطقي إذا كانت تنتمي للقبيلة أن تأتي بحثا عن أبوها لا عن أمها.....فليس من عاداتنا أن تتزوج النساء من خارج القبيلة ولكن الرجل يستطيع....
- هذا ما أعرفه.....أمها من القبيلة وتزوجت برجل من المدينة..ألم تقل أنك من القبيلة....كيف لا تعرف حكايتها؟.....أم؟....
صمت أحمد ونظر لحسان بخوف وقلق كبيران: أم هل حدث لمهرة شيء ؟
- لا لا تقلق هي بخير ولكني أعمل وأعيش خارج القبيلة ولذلك لا أعرف أكثر أخبارها....ولكنك متأكد مما تقول....أمها من القبيلة وتزوجت من المدينه؟
- نعم....
- شيء جميل.....ومن هي أمها؟
- لو كانت تعرف ما كانت جاءت هنا لتبحث؟
- آه.....عندك حق.....عندك حق.....هذا جميل.....شيء جميل.
وصلا القبيلة ونزل حسان من السيارة وأشار لأحمد على مكان خيمة الشيخ صابر..
- أعذرني عندي عمل مهم يجب أن أنجزه...
ترك أحمد وانطلق مسرعا نحو بيت أمه......
سار أحمد نحو خيمة الشيخ صابر ...دخل فوجد الشيخ يجلس بين مجموعة من شيوخ القبيلة...
- أهلا بالغريب ...تفضل
- شكرا يا شيخ
- ماذا نستطيع أن نقدم لك؟
- لقد جئت أبحث عن ....عن خطيبتي....اسمها مهرة وقد جاءت هنا لتبحث عن....
قاطعه الشيخ صابر مسرعا والوجوم والغضب يشكل ملامح وجهه الصلب الجامد :
- خطيبتك.؟
- نعم....أريد أن...
نظر الشيخ صابر لمن حوله من الرجال: اتركونا بمفردنا يا شيوخ....
تناقل أحمد نظرات الإستفهام والتعجب ما بين الشيخ صابر وبين هؤلاء الشيوخ الذين خرجوا وهم يصبون عليه نظرات نارية حارقة.....
- ماذا حدث لها يا شيخ؟.......أين هي؟...لقد جاءت تبحث عن أهلها ولا أستطيع الإتصال بها منذ الأمس..
- ولن تستطيع الإتصال بها في أي وقت آخر.....لقد حسمنا الأمر...
- أي أمر ومن حسمه؟
- أهلها الذين جاءت تبحث عنهم ........لقد اتفقت مع المشايخ أنها ستبقى معنا لنرعاها ولن تعود للمدينة
- ماذا تقول؟ بأي حق تقررون هذا؟
- بحق أننا أهلها.....هذه الفتاة حفيدتي...أنا ولي أمرها الآن......وحسب هذه الصفة فلا أعتقد أنك قد جئت تطلب يدها مني لتصف نفسك بأنك خطيبها
تراجع أحمد عن عصبيته ولانت ملامحه وحاول أن يكون هادئا ولبقا:
- عفوا يا شيخ....لم أكن أعلم صلتك الحقيقية بها.....إذن فقد نجحت مهرة في التوصل لما كانت تبحث عنه...لقد وجدتكم...وجدت أهلها...
صمت الشيخ وهو ينظر لأحمد بجمود وصلابة....ابتسم أحمد ونظر للشيخ في ود:
- لقد عرضت عليها الزواج من قبل ولكنها رفضت.....قالت أنها لا يمكن أن تأخذ هذه الخطوة قبل أن تجد أهلها وتعرفهم وأنني وقتها يجب أن أطلب يدها منهم.....
نظر له الشيخ ونظرات متعجبة تسري في ملامحه الجامدة: هي قالت ذلك؟
- نعم.....إنها فتاة شجاعة وقوية.....لقد تحملت الحياة بعد وفاة والدها بمفردها بكل كرامة وعزة وكبرياء... لا أشك الآن أنها تنتمي لكم فلا بد أنها ورثت تلك الصفات عنكم.....هي أيضا رقيقة وحالمة في أوقات.....وربما كان ذلك بحكم طبيعة البحر الذي نشأت وتربت بجواره......كل هذه الصفات فيها جعلتني أرغب في الزواج بها....
نظر أحمد في عين الشيخ التي طافت بعيدا عن المكان والزمان...
- سيدي ، اسمح لي أن أطلب منك يد حفيدتك....مهرة
افاق الشيخ من سرحته : ماذا تقول؟
- أطلب منك ان تزوجني مهرة....حفيدتك..
نهض الشيخ في عصبية وصاح به:
- ليس عندنا بنات للزواج..
نهض أحمد مندهشا متخبطا: ماذا تقول يا شيخ؟
- كما سمعت......نحن لا نزوج بناتنا للأغراب....
- ولكن.....
- انتهى الكلام....خذ واجبك وارحل كما جئت ولا تعد....ولا تحاول الإتصال بها.....لا تؤذي نفسك يا فتى.
خرج الشيخ من الخيمة وسار متجها لجمع الشيوخ المحلق حول النار يحتسون القهوة ويدخنون...
نظر أحمد خلفه وكيانه كله يرتعش وعينه تجمعت فيها سحابات من الغضب والغيظ والحنق لا تجد لها متنفسا....يريد أن يراها.....هل توافق على هذا الكلام الغريب....إذن لماذا لا ترد عليه منذ الأمس....هل أجبروها على كل ذلك وهم الآن يحبسونها في أحد هذه البيوت وأخذوا منها هاتفها حتى لا تستعمله ، أم أن كل ذلك برضاها وقد قررت البقاء وقررت أن لا ترد عليه.....قررت أن تهجره من أجل الأهل الذين حلمت بهم دوما...أين الحقيقة......يجب أن يراها وأن يواجهها ليعرف....ولكن أين هي.....
لمح حسان يسير مبتعدا خارج القبيلة....أسرع إلى سيارته وانطلق خلفه:
- أين هي؟
- من؟
تفاقم الغضب بداخل أحمد فامسك بتلابيبه وشده إليه وعيناه تنطق بالشر:
- مهرة ...أين هي؟
حاول حسان أن يبعد يده فلم يستطع وقدر أنه لن يستطيع التغلب عليه إذا حدثت مشاجره
- حسنا اتركني وسأخبرك..
- بل تخبرني أولا
- ساخبرك إذا جاوبتني على سؤال مهم......هل أخبرك الشيخ صابر أنها حفيدته من ابنته عائشة.
- لا أعلم اسم أمها ولكنها حفيدته من ابنته....اين مهرة الآن؟
ابتسم حسان في خبث وقال: نركب السيارة وسأدلك على مكانها
انطلقا نحو البيت الخشبي....أغنام عالية كانت ترعى حول المكان وفرسان يقفان في الخارج من بينهما فرس صخر الأشهب: في الداخل مع أخيها صخر والراعية
- أخوها؟
- نعم....مادامت ابنة عائشة فصخر أخوها...هو ابن عائشة أيضا...
- لست أفهم شيئا.....
- ادخل وسيفهمونك..
- وأنت؟
- سأبقى هنا....
فتح باب البيت وخرج صخر وخلفه مهرة.: الم أقل لكم أني أسمع صوت سيارة.....
- سيارة من؟
نظر الجميع تجاه بعضهم البعض وقبل أن يُسأل سؤال آخر كان أحمد قد جرى تجاه مهرة وأخذها بين ذراعيه...خرجت عالية تنظر فتسمرت في مكانها وأخذت تتبادل نظرات حائرة بين صخر وبين ذلك المشهد الذي جمع مهرة وأحمد في عناق طويل....وحسان يقف مبتعدا خلف السيارة ينظر في خبث ويداعب بأصابعه ذقنه..
نظر صخر لمهرة نظرات بها شيء من الصرامة الحازمة وشيء من العتاب فأفلتت مهرة من ذراع أحمد ووقفت وقد تورد وجهها خجلا وشملها إرتباك وحيرة.....
تحدث أحمد وقد خرج إنفعاله كله دفعة واحدة ونظراته تحدج صخر بالغضب والشك :
لماذا لا تردين على هاتفي منذ الأمس...وما هذا الجنان الذي يحدث هنا....قابلت ذلك الشيخ الغريب فقال أشياء لا أفهمها.....هل يحتجزونك هنا....
تحرك نحو صخر والشرر ينطلق من عينه: هل تحبسها في هذا البيت .....هل آذيتها....ماذا فعلت بها؟
حالت مهرة بينه وبين صخر: أحمد....هذا أخي...
- أعلم.....ماذا فعل بك....ماذا فعلوا بك هؤلاء الناس؟
- لم يفعل بي أحد شيء يا أحمد.......أهدأ أنا بخير كما ترى.....
- إذن لماذا لا تردين على الهاتف....لماذا لم تحضري الندوة بالأمس.......لقد انتظرتك طويلا ولكنك أخلفت وعدك.......هل قررتي البقاء وعدم العودة......هل تخليتي عني...
صرخت فيه مهرة والحزن يطل من عينها: أنت لا تعرف شيئا......لقد حدثت أشياء ...أنا لم......
ولكنها لم تستطع أن تكمل.....غلبتها دموعها.....جرت مسرعة نحو الداخل وخلفها عالية.....
حاول أحمد اللحاق بها ولكن صخر وقف أمامه: أعتقد أنك يجب أن تهدأ وتفهم الحقيقة أولا قبل أن تضطرني لضربك..
- ماذا تقول.....أنت تضربني؟..
- نعم.....هذا حقي فقد جرحت مشاعر أختي منذ لحظات وقد كانت تجمع أشياءها لتعود إليك.....
- ماذا تقول .....ولكن الشيخ قال لي...
- قل لي ماذا سمعت وسأخبرك بالحقيقة وبعدها أنت مدين لي ولأختي بالإعتذار وإلا....
- ماذا؟ ستضربني؟.....
- لا ، فقط إذا جئت تطلب يدها مني لن أوافق.....
نظر له أحمد والحيرة تتراقص في عينه وعلى صفحة وجهه ......ابتسم صخر في صفاء وهدوء وسار به نحو الداخل.....ومن خلفهم كان حسان يقبع في مكانه خلف السيارة وينتظر....
--------------------------
على شاطيء البحر تقابلا....
- كيف حالك يا شهيرة...
- جمال؟!!.....بخير...وأنت؟
- بخير...
صمتت...مشاعر تتزاحم بداخلها تجعلها تضطرب...
- أشكرك....
- على ماذا؟
- سمحت لأحمد بزيارتي...ولم تمانع في وجودي هنا حتى يعود..
- أنت أمه...
إبتسم وهو ينظر لها ..بعد تردد عزمت أمرها...
- آسفة..
- على ماذا؟
- على كل ما سببته لك ولأحمد من آلام...تلك الرغبة بداخلي في ذلك الوقت أن أنجح...أنجح نجاحاً خاصاً بي وحدي وأن أحقق حلمي الخاص ...ولكن بعد مرور السنين تأكدت من شيء هام...حقيقة مهما حاولت الهرب منها لا أستطيع...كل ما حققته في تلك السنوات لا يعادل تلك اللحظات التي كان يمكن أن أحياها بجوار إبني...
-إذا كان هو ما تعتذرين عنه فأنا أيضا مدينا لك بالإعتذار
-لماذا؟
- لأنني توقفت عند حدود إهتماماتي وإحتياجاتي الخاصة ورؤيتي الذاتية في حياتنا معا...لم أقدر أنك أيضا لك إهتمامات وأنني كما كنت أحتاج منك أن تفهميني وتفهمي إحتياجاتي كان يجب أن أفعل ذات الشيء معك...
أما عن السنين التي فاتت دون أن تكوني بجوار ابنك فأنا مشارك بنصيب كبير في هذا الذنب...لقد خيرتك قديما ومنعني العناد والغضب بعدها سنوات طويلة أن أرجع عن قراري...سامحيني
- سأفعل إذا سامحتني
- لقد فعلت ذلك منذ زمن طويل..
نظرت في عينيه ...كانت هناك تلك النظرة الحانية الصافية التي حملت معها ذكرى أول لقاء جمعهما...يوم أن نظر لها نفس النظرة فأحبته وقررت أن تكون له...ولكنها لم تكن تعلم أن ثمن ذلك التخلي عن كل أحلامها ، عاشت في حيرة فترات طويلة ثم بدأت الحيرة تتحول لتعاسة ثم استسلمت ولكن عندما لاحت لها فرصة جديدة لتحقيق الأحلام أقتنصتها وقررت أن لا تفرط فيها مهما كان الثمن...وكان الثمن باهظا...دفعته وعاشت من جديد في حيرة وتعاسة ولكنها لم تستسلم هذه المرة...كانت تحاول باستمرار أن تتواصل مع ابنها ولكنها لم تجد إلا الصد والرفض حتى جاء اليوم الذي تحقق فيه دعاءها وعاد لها من جديد ولكن بعد أن طحنها الزمن والحزن والألم...
وكأنه يقرأ ما يدور في أفكارها ومشاعرها
- مازالت الفرصة أمامك لتعوضي ما فات...لقد عاد أحمد لك ..
- نعم...
صمتا...نظرت للبحر ...كانت تبحث عن الكلمات...تبحث عن الشجاعة..مد يده ولمس كتفها...نظرت إليه...
- ربما تمكنا من أن نظل أصدقاء ....هذا سيساعد إبننا كثيراً وسيسعده أيضاً ....
لمعت عيناها...لقد كانت تبحث عن الكلمات وساعدها
------------------------
جلس أحمد بجوار مهرة : آسف يا مهرة.....لقد أصابتني كلمات الشيخ بالفزع...تخيلت أني لن أراك بعد اليوم وخشيت أن يكون قد حدث لك مكروه......
نظرت له مهرة مبتسمة في حنان : اتخيل كيف كان لقاؤك به ولهذا اعذرك....فقد استفزني أنا أيضا ...ولكنه رغم كل شيء جدي ولن أتمكن من كرهه...
نظر لها صخر في حنان : تصورت أنك تكرهينه فعلا يا مهرة
- ماذا سيفيدني كرهي له....رغم كل ما سببه لي ولأمي وأبي من تعاسة فهو قد فعل كل ذلك وهو يتصور أنه يفعل الصواب......أنا متأكدة أنه لو كان عنده شك في صحة ما فعل ما كان ليفعله...إختلافاتنا كبشر سببها أن كل منا له زاوية ينظر منها تختلف عن زواية الآخر ...هو ينظر بزواية العادات والتقاليد ....ونحن ننظر من زاوية الإنسانية الواحدة والمشاعر والحب الحقيقي...هو يرى ما نفعله خطيئة ونحن نرى ما يفعله خطأ...ولن نتمكن من التفاهم إلا إذا حاول كل منا النظر من زاوية الآخر ليرى الحقيقة من وجهة نظره...
نظر أحمد لصخر: صخر فعل ذلك....نظر من زاويتنا وفهم موقفنا..
ضحكت مهرة: هو ينظر منها فعلا ولكن لأنها زاويته الخاصة .......صخر مثلنا يرى أن المشاعر والحب والإنسانية لهما كل الأولية على تقاليد مجحفة وظلمة تفرق ولا تجمع وتقسي القلوب وتقتل الحياة
حولت مهرة نظرها تجاه عالية التي كانت تتأمل صخر بعينيها المكحلة من خلف النقاب ...
نهض أحمد وتحرك نحو صخر ومد له يده: هل تقبل إعتذاري ..
صافحه صخر....أكمل أحمد ومازالت يده في يد صخر: وهل تقبل أن تزوجني أختك؟
تورد وجه مهرة وخفضت رأسها واقتربت منها عالية تحتضنها وتنظر لصخر متطلعة ماذا سيقول:
- إذا وعدتني أن تحافظ عليها وترعاها وأن تجعلها سعيدة....وإذا وعدتني أن لا تتسبب في بكاءها بعد اليوم....
- أعدك ...
- وأهلك؟
- أبي وأمي في المدينة ينتظران عودتنا...إذا أردتهم أن يحضروا ...
- سآتي لزيارة مهرة قريبا وأرجو أن أراهم لنتكلم في هذا الموضوع معا جميعا...
نظر صخر لمهرة في حنان: سآتي لأتأكد أن مهرة ستعيش بينكم في رعاية وسعادة وإذا إطمئننت لذلك سأضع يدي في يدك ونقرأ الفاتحة
رفعت مهرة وجهها ونظرت لأخيها في سعادة حقيقية ...تقدمت منه والقت نفسها على صدره وسالت دموعها
- لماذا البكاء الآن؟
- لأني وجدتهم أخيرا....وجدت أهلي...أنت أهلي يا صخر......
- مشهد مؤثر....هل أبكي أنا أيضا؟
نظر الجميع تجاه الصوت......كان حسان يقف عند مدخل البيت تقدم نحوه صخر..
- ماذا تفعل هنا؟
- جئت أحتفل معكم بهذه المناسبات السعيدة....عودة أختك وخطوبتها لأبن المدينة.....ولكن أليس ذلك ضد تقاليد القبيلة الصارمة التي لا تغفر يا صخر أم نسيت.
- أخرج من هنا يا حسان لا مكان لك هنا ولا دخل لك فيما بيننا
- بل لي دخل...أليست تلك التقاليد هي التي جعلتكم تجتمعون وتقررون التبرأ مني وطردي خارج القبيلة ....هل تغيرت أم هي تطبق على وحدي دونكم..
- لا تخلط الأمور يا حسان ولا تشبه الأفعال التي تقوم بها بما يحدث هنا
- أعتقد أن الشيخ صابر وباقي شيوخ القبيلة سيكون لهم رأي آخر...
نظر له الجميع وتبادلوا النظرات المستفهمه فيما بينهم:أعتقد أن الشيخ صابر إذا عرف بما تدبر معهم يا صخر فإنه لن يتردد عن طردك أنت أيضا خارج القبيلة....ولو لم يفعل لأشعلتها أنا نارا عليكم واتهمتكم أنكم تكيلون بمكيالين وسأحرض كل شباب القبيلة عليكم......ليس هذا فقط بل سأخبر الجميع بالحقيقة..
قال له صخر في غضب مكتوم:أي حقيقة؟
- حقيقة أمك يا.....يا فارس القبيلة المغوار.....
لكمه صخر في وجهه فسقط أرضا: إياك أن تنطق بشيء عن أمي يا نجس فهي أشرف من أن يمس اسمها لسان كلب مثلك
نهض حسان وهو يمسح خيط الدم عن وجهه: ستدفع الثمن يا صخر....جاء الوقت لتدفع ثمن كل ما فعلته أنت وجدك بي ...سأفضح أمركم وأخبر جدك بما تنوي أن تفعله وسأخبر أهل القبيلة بحقيقة ما حدث قديما وإلا تتراجعون عن قراركم بشأني وليس هذا فقط بل تزوجوني منكم.......ولقد إخترت عروستي منذ زمن طويل..
نظر نحو عالية التي ظهر الرعب في عينها: عالية هي من أريد..
لكمه صخر من جديد : يا حقير كيف تجرؤ؟
- الحساب يزيد بهذه اللكمة يا صخر..كنت أنوي أن أعطيك يومين لتفكر في عرضي ولكن الآن أريد الرد غدا صباحا وإلا........
نظر لهم جميعا بسخرية وبصق على الأرض وذهب مسرعا .....
هم صخر باللحاق به فامسكه أحمد: لم أكن أعلم أنه خسيس هذا الحسان...ماذا سنفعل به؟
- ساتصرف.. هيا الآن خذ مهرة واذهب واترك الأمر لي..
- ولكن يا أخي أنا سبب كل هذه المشكلة...لو لم أحضر ماكانت الأمور تأزمت بهذا الشكل...كيف أذهب الآن وأتركك..
- وجودك لن يفعل شيئا
- بل سيفعل...سأواجه الجميع وأخبرهم الحقيقة حتى يصدقوا أن أمي لم تخطأ....وعندها لن يكون عند حسان شيء يفعله
- الأمر ليس بهذه السهولة يا مهرة....
- لن أعود...سأنتظر حتى أرى ما سيحدث...ربما بقائي هنا يساعد بأي شكل...على الأقل لن يصدق جدي حسان حينما يقول له أنك أتفقت معي على الهرب..وسنكون جميعا يد واحدة في مواجهته.
- ولكن.......
- لقد اتخذت قراري ولن أتراجع....لن أعود الآن.
نظر صخر لأحمد الواقف خلفها.......نبهتها نظراته......التفتت له:أحمد أريد أن أتحدث معك في الخارج.
خرجا.....رفعت عالية النقاب ونظرت لصخر في صمت والألم في عينها ..نظر لها صامتا هو أيضا وقد اختفى الصفاء من عينيه وحل محله القلق ...
في الخارج وقفت مهرة وأحمد أمام السيارة: لن أتمكن من العودة الآن حتى ينتهي الأمر
- وإذا استبقاك جدك عنوة؟
- لن يفعل ...وصخر هنا سيساعدني..
- سأبقى حتى نعود معا.
- لا، وجودك لن يفيد بل قد يعقد الأمور....اذهب وسألحق بك
- فراق آخر يا مهرة..؟
- لا تكن متشائما.......
- لم أعد أستطيع تحمل هذا البعد
احتضنته: سأعود...وسنتزوج وسننجب أطفالا ونحكي لهم هذه القصة ....سنحكيها لهم ونحن نضحك من هذه الأيام وما حدث فيها
ضمها بقوة لصدره : أحبك..
ابتعدت عنه وداعبت وجهه بأناملها: وأنا أيضا...
ودعته وانطلقت السيارة عائدة....ظلت تلوح حتى غاب عن ناظرها....
خرج صخر وعالية: هل ستعودين معنا أم ستمكثين هنا
- بل سأعود....
في الطريق اقتربت من صخر: هناك ثأر لي عند هذا الحسان.....يجب أن أعيد عقد أمي ..
نظر لها في صمت وساروا جميعا نحو القبيلة
0 comments:
إرسال تعليق