(7)
كانت مهرة تقف أمام لوحتها في الأستديو الخاص بالرسم في الكلية ....تغمس الفرشاة في اللون وتلقي به على الصفحة البيضاء ...كانت ترسم ملامح إمرأة وسط السحاب ....إقتربت منها نهاد ووقفت تراقبها ...
- ماذا ترسمين يا مهرة؟...عيناها تشبه عيناك....
- أحاول أن أرسم أمي...
- أمك؟...هل تعرفين شكلها؟
- أحاول أن أتخيله...قال لي أبي أن لي نفس شعرها وعيناها ...جبهتها العريضة وإستدارة وجهها...
- لم تحاولي رسمها من قبل.
- فكرت كثيراً وكانت لي محاولات ولكنني لم أكملها.
- لماذا؟
- كنت أخشى الحلم.منذ فقدت والدي كنت أدفع نفسي دفعاً للتعايش مع الواقع والبعد عن دنيا الأحلام...
- ولكنك دوماً حالمة...
- الأحلام كثيراً ما جعلتني غير قادرة على التأقلم مع الواقع وتجعلني أصطدم به..
- وما الذي تغير الآن؟
- الأمل....ذهب أحمد ليرى أمه ...الأمل في أن يستعيد أمه التي فقدها أعطاني أنا الأخرى أمل...ربما تمكنت في يوم ما من معرفة إجابة أسئلتي التي لا أعرفها ...ربما عرفت من أهلي
- هل مازال هذا الموضوع يشغلك..
- لا يشغلني غيره..
- وأحمد...ألا يشغلك.
- أتمنى له التوفيق مع أمه.
- فقط....
سرحت مهرة ببصرها بعيداً عن نهاد وعن اللوحة...بداخل قلبها كان يتردد دعاء من أجل أحمد....
-------------------
- أنا عدت يا دادة...
صاحت وهي تدخل المنزل وأقبلت عليها دادة خديجة مبتسمة في مرح وغمزت بعينها ..
- هناك ضيوف بإنتظارك...
- ضيوف؟...
- في المرسم..
دخلت المرسم....كان هناك يقف بجوارلوحة (هدى) التي فازت في المسابقة ....إلتفت لها مبتسماً في حنان..
تقدمت نحوه دهشة..
- أحمد...متى عدت...
- منذ قليل...
- ولكنك رحلت اليوم ...ألم تقابلها...
- بلى...
- ماذا حدث....
- هل نستطيع الخروج للبحر....
جلس على الصخرة وحملق في الأفق....
- كنت أفكر كثيراً ...كلامك الدائم عن الأهل والعائلة وما يحققه ذلك من الأمان والحماية والسعادة ...ذلك الألم القديم بداخلي كلما تذكرت أمي..إحساسي أني إفتقدت الكثير بعدم وجودها في حياتي...كل ذلك جعلني أقدم على تلك الخطوة...
وهناك شيء آخر...أنت...
- أنا...
- نعم...مشاعري الخاصة نحوك ...
نظر في عينها: أنا أحبك يا مهرة.......
أمسك يدها وكل خلجة في وجهه تبتسم لها....ملامحها تشكلت بريقا وزلالا شفافا في العين وحمرة وشفاه مرتبكة وأنامل مرتعشة تحاول أن تضع كل قوتها فيها لتضغط على كفه الذي أحتوى يدها
لفهما الصمت لحظات:كنت أخشى على مشاعري هذه من آلامي ... هذا ما دفعني أن أذهب لها ولكني إكتشفت شيئاً
- ما هو..
- الأم إحتياج لا إضطرار يا مهرة...أنت تشعرين بحنين لأبيك لأنك تحتاجين له ....ترغبين بشدة في معرفة أهل لك لأنك تحتاجين لهم....
- ألا تحتاج لها...
- سأترك الأيام تجيب على هذا السؤال....ولكني الآن أعرف وأثق من شيء ...
وقف أمامها وتأمل خصلات شعرها تتطاير على وجهها وتخفي عينيها...أزاح الخصلات جانباً ونظر في عينها بكل الحنان والحب ...لم تكن تعلم قدر حاجتها لذلك الإحساس كما شعرت به الآن....شيء من الماضي يعود يلفها يضمها،
شيء هجرها منذ رحل الأب وتركها...ذلك الأمن وتلك الراحة ...تلك السعادة التي تملئ ذاتها ....
- تستطيعين الإعتماد علىّ يا مهرة ،أشعر أني مسئول عنك وأرغب أن أساعدك بكل ما أملك من قوة ولكن لا أدري كيف...أنت تريدين أن تعرفي أهلاً لك ،بالنسبة لي أن تكوني وحيدة في الحياة أو أن يكون لديك عائلة كبيرة فهذه مسأله لا تقلقني...لقد أحببتك أنت وأكتفي بك كما أنت...ولكنني أعلم أهمية هذا الأمر بالنسبة لك ولذلك أرغب في مساعدتك...مهرة...هل تقبلين الزواج بي
- ليس الآن يا أحمد...
- متى؟
- عندما أعرف عائلتي...عندها تستطيع أن تطلب يدي منهم...
أبتسم في حنان وأمسك بيدها ...
- سنجدهم بإذن الله....
0 comments:
إرسال تعليق