الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٨

على هامش"أنت عمري"

أقصد هنا الفيلم وليست الأغنية......هذا الفيلم أحبه جدا.....وهذا الحب له أسباب....ولكن يجب أن أعترف أنه كان حبا من النظرة الأولى وكلما رأيت الفيلم مرارا وتكرارا يتعمق هذا الحب ويزيد ويتأكد وهذا ربما كان سببا مهما من أسباب حبي للفيلم...فهو ليس فيلم مسلوق أو مقلوب ...إنه عمل قد تم إنضاجه على نار هادئة جدا...على الأقل أثق أن القصة والسيناريو تم إنضاجهم على نار هادئة فخرج إبداع متماسك واقعي منطقي رومانسي جميل قلما أشعر به وأنا أتابع أفلام الجيل الجديد من صناع السينما والذي بدأ من أيام فيلم" إسماعيلية رايح جاي" وأحنا طالعين حتى اليوم .. عندما عرض هذا الفيلم في عام 2004 واستقبله الناس وكنت واحدة منهم فوجئت بحالة من النقاش والحوار حوله في كل الأوساط التي حضرت فيها...وربما هذا سبب آخر يؤكد أنه لم يكن فيلما مسلوقا ولا مقلوبا ....لقد حرك عقل الناس وربما أن حكايته ليست سياسية ولا رمزية ولا تجريدية ولا تكعيبية ...ربما هي حكاية إجتماعية رومانسية درامية وليس إلا ولكنها حقيقية جدا ولذلك حدث ذلك الجدل بين من يوافق ومن يعترض...من يرى أن البطل "هاني سلامة" مخطأ وخائن وعلى فكرة هذا لم يكن رأي الفتيات فقط بل رأي بعض الرجال أيضا الذين لأستغرابي الشديد كانوا متحاملين جدا عليه ويرون أن ما حدث من موقفه في الفيلم لم يكن به أي منطقية عندما قرر أن يترك زوجته وأم أبنه ويذهب بعيدا ليعاني من آلامه بمفرده ثم قرر أن يشارك آخرى في تجربته دون زوجته الحبيبة وهم يرون في ذلك خيانة وخط غير مبرر في أحداث الفيلم ويرون أنه كان من المنطقي أن يخبر زوجته من البداية لتخوض معه التجربة حتى تمر... وهنا نأتي لسبب حبي الحقيقي للفيلم....فبرغم إعتراضات من أعترضوا وبرغم أني لي رأي مختلف...فإن النص المكتوب كان مبدعا بحق ومتكاملا عندما شرّح كل شخصية من شخصيات الفيلم وقدمها لنا كاملة الملامح واضحة المعالم ....الزوجة" منة شلبي" هذه المرأة التي تتسم بكثير من الرقة والضعف والتي لا تتحمل أي مسئولية في حياتها سوى البقاء في البيت لتعد لزوجها الطعام وتستقبله وتهيء له أسباب الراحة والسعادة....هي لا تتحمل مسئولية أي مهمة أخرى في حياتهما من أول شراء الإحتياجات المنزلية من السوبر ماركت ودفع الفواتير وتوصيل أبنهما للمدرسة وحتى مجرد أن تحكي له قصة قبل النوم...تركت هذه المهمة أيضا لزوجها الذي ظهر وهو يقوم بكل المسئوليات الصغيرة والكبيرة...التافهة والعظيمة ...ورغم ذلك هما زوجان سعيدان ولا مشاكل وقد نظما حياتهما بهذا الشكل ومافيش قلق ولا خلافات....هذا جميل جدا ورائع ويا ريت كل البيوت بمثل هذه الصورة السعيدة وياريت كل الأزواج مثل ذلك الرجل الذي يتحمل كل الأعباء ويترك زوجته متفرغة لشيء واحد فقط...له...ولكن.....وآه من هذه الكلمة التي تحمل دائما معنى يأتي خلفها مسرعا ليعكس كل الصورة التي سبقت ويغايرها....نعم ولكن عندما تمر تلك الحياة التي تسير بهدوء وإطمئنان لهزة قوية مثل ذلك المرض الخطير الذي اكتشف الزوج أنه يحمله ، ماذا سيحدث؟ حسب الرسم والتشريح الدقيق والتفصيلي لشخصية الزوج والزوجة والذي وضعه لنا المؤلف وصوره بشكل صادق وبسيط وغير مفتعل فالمنطق يقول أن تفكير الزوج سيقفز سريعا لعدم قدرته على مصارحة زوجته بهذا الأمر على الإطلاق...والسبب بسيط لا علاقة له بالخيانه- فهو لم يكن قد تعرف بعد على الآخرى ليقرر الخيانة من عدمها- السبب ببساطة أن أي شخص يمر بتلك التجربة المؤلمة والصادمة من اكتشاف مرض خطير قد يذهب بحياته فإنه عندها يكون ضعيف يحتاج لمن يسنده في ضعفه ويرفعه من ذلك الضعف ويمسك بيده بقوة ليعبر به الى شاطيء القوة والتحدي والصمود والحرب ضد المرض حتى ينتصر عليه....وهذه الشخص يجب أن يكون أساسا شخصا قويا قادرا على المواجهة والتصدي والتحدي حتى يتمكن من بث ذلك الشعور للمريض الضعيف الذي يحتاجه...ففاقد الشيء لا يعطيه...والزوجة في هذا الموقف كانت فاقدة للشيء...هي بشخصيتها وتكوينها لن تكون ذلك الشخص الذي يمكن أن يعتمد عليه الزوج المريض لينهض من عثرته....وهو كان يعلم ذلك...بالإضافة أنه لم يكن يريد أن يسبب لها ألما... هو يفهم أبعاد شخصية زوجته...ترى لو كان إختار الطريق الذي نادى به الرافضين لتصرفه ممن شاهدوا الفيلم وأخبر زوجته من البداية،ترى ماذا سيكون الوضع؟....اتخيل أنها كانت ستنهار بجواره وبدلا من أن تتحرك به نحو حافة الأمل والشفاء كانت ستتحرك به نحو حافة الموت......هذه هي الحقيقة التي ربما يهاجمني الكثير بسببها ولكنها الحقيقية المنطقية التي استندت على تحليل شخصية الزوجة ....هذه الزوجة التي عندما قرر زوجها السفر وتركها لأول مرة لوحدها تواجه الحياة لمدة شهر أخذها من يدها ومر بها على أقسام السوبر ماركت ليعلمها كيف وماذا تشتري ، هل كانت تلك الزوجة قادرة على التعامل مع موقف خطير كالذي مر به زوجها ....أنا لا أهاجم الزوجة ولا أبرر للزوج ولكن لنكن واقعيين ففي حياتنا هذه النماذج....ولو كنت في مكان الزوج ماكنت سأخبر هذه الزوجة لأن إخبارها لم يكن ليفيد بشئ...وأعتقد أنها لو كانت على العكس ماتردد الزوج في إخبارها ومشاركتها في حمله الثقيل فالفطرة التي فطرنا الله عليها تجعل الزوج والزوجة أقرب مخلوقات في الكون لبعضهما بالعشرة والتجارب المشتركة والحياة التي جمعت ووحدت ...ولكن عندما يقرر أحدهما البعد عن الآخر بمشاكله فلا بد أن هناك سبب وفي هذه الحالة هذا هو السبب : ضعف الزوجة وعدم قدرتها على تحمل المسئولية والتعامل بحكمة وشجاعة مع الأمور المعقدة. نأتي للزوج"هاني سلامة" وإبداع آخر من المؤلف عندما رسم وفصّل وشرّح هذه الشخصية هي الآخرى... فهذا الرجل وعلى الرغم من أنه زوج مسئول ومتحمل لكل مسئوليات البيت والحياة فهو رغم ذلك ذو تكوين شخصي ضعيف ومستسلم ومنهزم أمام الأزمات التي تمثل مسألة حياة أو موت كذلك المرض الذي أكتشف أنه مصاب به... لقد قرر أن زوجته ليست الشخص الذي يمكن أن يسانده ولم يرد أن يسبب لمن حوله ألما فقرر أن يبتعد...وتصورت أنه ابتعد ليبحث عن علاج ويعتمد على نفسه حتى ينهض من أزمته ولكني فوجئت به قد ترك كل شيء خلفه وابتعد ليستسلم للمرض ويموت وحيدا على فراشه...ابتعد لينتظر الموت لا ليحاربه ويواجهه....رد فعل مستسلم ومتخاذل ، لم يفكر في محاولة إستعادة حياته من جديد على الأقل من أجل أبنه الذي لم يقدم له إلا شرائط سجلها بصوته قبل هروبه الكبير- قال آيه ليظل معه طوال مراحل عمره المختلفة ولا يتركه-.. ثم نأتي للشخصية الثالثه في الفيلم " شمس" أو"نيللي كريم" ...ولست أدري هل غختيار شمس كان مقصودا به معنى رمزي أم إنه مجرد اسم جاء على بال المؤلف..وإن كنت أرجح الإحتمال الأول لأن هذا المؤلف أثبت أنه ليس عشوائيا في كتابته.... "شمس" هي نقطة الإيجابية والقوة في الفيلم...تحمل نفس المرض ولكنها قوية متحدية شجاعة...تتعامل مع الموقف بإيجابية ولا تسمح لفشل قصة حبها مع زميلها في فرقة البالية بأن يؤثر عليها سلبا بل تتحدى نفسها وتضع لنفسها هدفا تسعى له بقوة...يجب أن تشفى حتى تتمكن من مشاركة فرقة بالية عالمية في أحد عروضها الهامة... ثم تأتي اللحظة التي يتعرفا فيها على بعضهما وتقرر شمس أن تقنع " يوسف " بالعلاج...وهنا يجد يوسف ما كان يحتاجه في تلك الفترة الصعبة...وجد ماكان يفتقده عند كل من حوله ومن بينهم زوجته وابنه...وجد القوة التي يستطيع الإعتماد عليها ليرفع نفسه من ضعفها واستسلامها وليتقدم نحو خطوة العلاج وهو معتمد على تشجيعها ووقوفها بجانبه وصلابتها وشجاعتها...السبب في تحرك يوسف نحو شمس هو سبب لا إرادي من عمل عقله الباطن ومشاعره الخفية الداخلية...لقد انجذب نحوها لأنها تشع بكل ما يفتقده هو في حياته وبداخل نفسه...اعتمد عليها ليحيا وكانت هي سبب تقدمه في العلاج ...ولكن بالنسبة لها كان الأمر مختلفا...هي قوية بذاتها عنيدة ومتحدية...هي تستطيع الإعتماد على نفسها ولا تحتاج لمساعدة نفسية منه أو من غيره...هي تستطيع عبور الأزمة بمفردها لأنها تملك المقومات لذلك ..ولكنها رغم كل ذلك أحبته...ربما لأنها وجدت فيه صدقا لم تجده في صديقها السابق وربما لأنها شعرت باحتياجه لها وربما لأن هذا كان قدرها الذي لم تستطع الهرب منه ...وربما أي سبب آخر.. المهم تستمر الأحداث حتى تكتشف الزوجة كل شيء وينفصل المريضان عن بعضهما ثم بعد تضحية من الزوجة التي تلاحظ تدهور حالة زوجها الصحية فتقرر أن تسمح له بالعودة لحبيبته...نأتي بعد هذا للنهاية حين تحقق شمس حلمها بالرقص مع الفرقة العالمية ثم تقرر بعدها أنها لن تكون أقل شجاعة وتضحية من زوجة يوسف فتخبره أن يعود لزوجته وتنهي كل شيء بينهما... ولأن هناك فارق كبير بين شخصية يوسف وشخصية شمس...فعلى الرغم من أنهما يحملان نفس المرض ويستقبلان نفس العلاج فقد تمكنت شمس من الحياة ومات يوسف.....هي عاشت لأنها تملك مقومات الحياة بعيدا عنه وهو مات لأنه كان يعتمد عليها ليحيا... نهاية منطقية من وجهة نظري حسب ذلك التشريح النفسي الفريد الذي قدمه المؤلف د\ محمد رفعت لكل شخصية. دور هاني سلامة في الفيلم جعلني لأول مرة أحبه كممثل وأول مرة أصدقه وأتعاطف معه...طبعا منة شلبي والرائعة نيللي كريم ...لا تعليق على الأداء...فقط هناك ملحوظة صغيرة فأنا أعتقد أن شخصية شمس بها الكثير من شخصية نيللي كريم وهذه الفتاة عندما رأيتها لأول مرة في فوازير رمضان في إحدى الأعوام لم تنزل لي من زور ولم يعجبني تمثيلها ولا أداءها على الإطلاق ولكنها أثبتت بمرور الوقت أن بداخلها فنانه متميزة وصادقة... وطبعا إخراج خالد يوسف ...وربما هذا هو أحب أفلامه لنفسي على كل المستويات... في النهاية ...من أسباب حبي لهذا الفيلم أيضا كانت أغانيه الرائعة أتذكرها في النهاية: "هيه الحياة كده ليه بقى ليها لون تاني...بقى ليها طعم جديد ولا كان على بالي..." " مركب ورق في البحر ..والبحر قلبه كبير- مركب ورق قلبي ...بتعاند المجادير(المقادير)- وموج ياخدها لفوق ....وموج يطوحها- شطوط بتحضنها....وشطوط بتجرحها- والبحر بجلاله...كبير مابيسعهاش- مركب ورق قلبي....آوان فرحها ماجاش "

0 comments:

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com