السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٨

تابع(البيت الخشبي)

(15) جاءت عالية تهرول للخيمة ... - جدتي أنت هنا... - ماذا بك يا بنيتي... - لقد سرقت مهرة...سرق منها عقد أمها الذي كانت تحتفظ به في البيت الخشبي ...إنها منهارة وتبكي بشدة ولا أجد صخر نظرت الجدة فاطمة للشيخ وعيناها تلمعان...ثم همت بالوقوف فساعدتها عالية.. - هل رأيت العقد من قبل يا عالية.. - لا يا جدتي ولكن كما قالت بالأمس.. أنه عقد ثمين من العقيق الأحمر مشغول بالفضة... إمتعق وجه الشيخ وظهرت علامات الإنفعال الشديد على وجه الجدة ولكن عالية كانت غارقة في أفكارها... - أظن أن حسان هو من أخذه...لا يوجد غيره في هذه الأنحاء قد يفعل مثل هذه الفعلة.. دخل صخر عليهم...لاحظ تلك العلامات على الوجوه... - ماذا حدث.. ----------------------- كان حسان يتنقل بين الموائد في عشته يتسامر ويتندر مع زبائنه وقد لعب الدخان برأسه فذهب ببعض وعيه... من بعيد كانت قمر جالسة ترقبه وعيناها تمتلئان بالكراهية والإحتقار... دخل صخر ومعه رجلان من القبيلة ...نظر حسان إليهم في سخرية .. - يا مرحباً يا مرحباً ....ماهذا الشرف العظيم... سحب كرسياً وأقترب به من صخر الواقف ينظر للمكان بتقزز ... - تفضل يا صخر...ماذا تحب...شيشة أم بيرة...كله موجود... في هدوء حازم ولكنه هادر نظر له صخر .. - أين العقد... - أي عقد... أشار صخر للرجلين فبدءا يفتشان المكان وحسان يصيح مترنحاً ... - ماذا تفعلان... كانت قمر تراقب ما يحدث ولا تتحدث... لم يجد الرجلان شيئاً ...أمسك صخر بجلباب حسان ونظر في عينيه مهدداً... - لو كانت لك أي علاقة بسرقة العقد فلن تبقى في هذا المكان لحظة واحدة.. غادر صخر ...خلفه كان شبحا يسير متسترا بعباءة سوداء... -------------------------------------- كانت مهرة تجلس أمام الخيمة تنتظر عودة صخر...صاحت عالية عندما سمعت صوت الفرس... - لقد وصل.. هبت مهرة واقفة وتنبهت حواس الجدة والشيخ ... - لم نجد عنده العقد... إنهارت مهرة من جديد وضمتها عالية تهدئها... كانت نظرات الجدة تشملها بالعطف وترسل توسلات للشيخ ولكنه أشاح بنظره بعيداً في غضب... - من أنت؟ وجهت عالية سؤالها لذلك المتشح بالسواد خلف الفرس... رفع القادم عباءته .. - أنا قمر... نظر لها الجميع بدهشة وتعجب....ولكن صخر تحولت نظراته لغضب... - ماذا تريدين ؟ - لقد سرق حسان العقد ...رأيته بالأمس يسرقه من البيت الخشبي ثم تقابل مع رجل أجنبي في الواحة وباعه إياه.. صرخت مهرة: عقد أمي باعه.....لقد ضاع.....ضاع كل شيء...كل شيء ....سامحني يا أبي.. نظر لها الجميع في إشفاق بينما إحتفظ الجد بنظراته الغاضبة ولكن خالطها بعض إرتعاشات نظر صخر لقمر متسائلا : - لماذا تشين به؟ - عندي أسبابي...يجب أن أذهب الآن.... وعادت تتشح بسوادها وتنطلق مبتعدة...... -------------------- الليل رابض يتنفس ظلمة ....رياح هبت تحمل الرمال في دوائر صغيرة وتنثرها في جوف الأفق الأسود ... صوت حيوان يعوي يتردد....تصمت المسامرات وترتفع الرؤوس وترهف الآذان والنفوس.... - وكأن الليلة تنذر بشيء... تمتم أحد الرجال...يتحلقون حول النيران كعادتهم ...ألسنة اللهب ترسم الظلال وتطرقع في صوت مقشعر.... الجميع في خيمة الشيخ صابر....المشاعر تختلط تتداخل..كل في واديه تتحلق حوله الأفكار ... الشيخ صابر مازالت ملامحه تحمل الحزم الغاضب التي تتقاذفها النظرات المترددة بين مهرة وبين الجدة فاطمة ....الجدة تتلقى النظرات وتحمل في عينها تجاهلاً لها وتلقى بكل حنانها نحو مهرة ...حنان يشوبه القلق والتوجس والرهبة....صخر يحمل ملامحه الجادة ...ثم لا شيء...ملامحه الجادة صامتة وعينه تتابع الوجوه . أما عالية فهي تجلس بجانب مهرة وقد رفعت نقابها...تمسك بيد مهرة بين يديها.. - ماذا سأفعل الآن....هذا العقد كان الشيء الوحيد الذي أملكه عن أمي وظننت أنه سيرشدني لأهلي... ألقى الشيخ بنظراته نحو مهرة التي أرعشتها النظرات الغاضبة الحادة ... - إني لا أصدق كل تلك التمثيلية .... همست مهرة في دهشة: تمثيلية... صاح بها الشيخ هادراً.. - نعم.......ذلك العقد الذي تتهمين ذلك الحسان بسرقته..وتلك العاهرة تأتي لتشي به لتؤكد مزاعمك، أشعر أن كل ذلك لعبة ملفقة ..أنتم الثلاثة تلعبون لعبة ما..... بهتت مهرة ...أول مرة في حياتها تواجه بمثل تلك الإهانات...لم يحدث لها يوماً أن أهانها شخص حتى بعد وفاة والدها..ذلك الحدث الذي جعلها تتصور أنها بلا حماية وجاءت هنا تطلب الأهل والحماية فوجدت نفسها تهان على يد شيخ كبير لا تملك أمامه رداً لإهانتها...تجمعت الدماء في وجهها ودموعها ترفض الإنهزام لضعفها.. صاحت الجدة فاطمة: - يكفي هذا يا شيخ صابر...الفتاة لم تفعل شيء ... - بل فعلت...إن... نهضت الجدة وهي تكمل صياحها والدموع تغلبها.... - يكفي يا شيخ صابر...أنت رجل قاسي القلب ...تريد أن تحاسبها على ذنب لم ترتكبه..لم تتعلم من الماضي...ألا يكفيك كل ما كان... نظر لها الشيخ في غضب مخيف... أمسكت الجدة بذراع مهرة.. - هيا معي يا أبنتي...هيا يكفيك هذا هيا.. قامت معها مهرة وعالية ...صاح الشيخ... - هذه البنت لا تبقى هنا بعد اليوم...من الصباح الباكر تعود من حيث أتت...لا مكان لهاهنا .. نظرت له مهرة وغضبها وشعورها بالإهانة يتزايد... - أنا هنا أعيش في منزل أبي ...أبحث عن أمي وأهلي...لن أذهب حتى أصل لما أريد... - لا أهل لك هنا .......أذهبي..... نظرت مهرة في عيني الشيخ وإحساسها بالغضب من الإهانة يتزايد ويرمي بها في دوامة من الضعف والتخاذل.......جذبتها الجدة فاطمة وخرجت بها ... ظل صخر واقفا ينظر لجده وبجواره عالية تدور عينها بينهما والحيرة تملئها...جاءها صوت صخر هادئ ولكنه يحمل نبرة حاسمة لم تستطع مجادلتها : أذهبي خلف جدتي يا عالية ..... نظر له جده ....لم يستطع أن يطيل النظر طويلا في عين حفيده التي كانت ترمقه ويشعر بها تكاد تخترق حواجز أسراره الداخلية فتفشيها كلها دفعة واحدة....لم يكن على إستعداد لمواجه أو حوار من أي نوع مع حفيده الآن.... - أذهب يا صخر ...إتركني وحدي ...أحتاج للخلوة.. جاءته نبرات صخر المصممة على فتح الحوار ..هادئة وحازمة في قوة - لماذا يا جدي....؟ نظر بغضب مفتعل تجاه حفيده وخرج صوته هادرا: - لأني أريد أن أختلي بنفسي يا ولد ...أخرج الآن... تقدم منه صخر ومازال ينظر في عين جده الذي أشاح بوجهه: - لا أقصد هذا بسؤالي يا جدي...أقصد لماذا كل تلك الثورة التي صببتها على الفتاة....الموضوع لم يكن يستحق ولا علاقة لنا به لنغضب ونثور.. لم يرد الجد وظل محتفظا بصمته مشيحا بوجهه ولكن قسمات ذلك الوجه كانت ترتعش ..إستأنف صخر كلامه بعد أن جلس بجوار جده: هل لنا علاقة بهذا الموضوع يا جدي؟ لم يجب الجد .... - جدي.....لقد جاءت تبحث عن أهل أمها.....أبوها كان يعيش هنا فترة من الزمن .....معها عقد من أوصافه يبدو كتلك العقود التي يقدمها رجال قبيلتنا لنساءهم عند الزواج بهم.....أليست هذه من عاداتنا...هل كل ذلك صدفة.. أضف لذلك ثورتك وغضبك و....خوفك.. نظر له الجد بغضب وثورة تفور من عينيه وهم بالكلام ولكن صخر قاطعه - أرجوك يا جدي....أريد أن أعرف الحقيقة..... - لا توجد حقيقة لتعرفها....قم الآن.....إذهب..... - ولكن يا جدي..... - قلت لك إذهب .... نهض صخر ومضى بعد أن ألقى على جده نظرة أخيرة وأشاح الأخير بوجهه بعيدا.... ذهب لجدته...... - كيف مهرة ردت الجدة بوهن وضعف ظاهريين - دخلت مع عالية ليناما... جلس صخر بجوارها: ما الحكاية يا جدتي...... بدأت الدموع تنهال من عينيها كأنها فيضان كسر السدود....شعر صخر بالشفقة عليها.....وزاد شعوره أكثر بفظاعة ما يكتمه الجد وتعرفه الجدة ولا تستطيع البوح به ولكنه تأكد من علاقة كل ذلك بحكاية مهرة وأهلها....قبل جدته في جبينها وتركها وذهب ..... ----------------------- دخلت قمر العشة....كان حسان قد وصل لمرحلة الغيبوية بعد أن قضى على كل أنفاس الشيشة وكل الحشيش الذي كان بحوذته.......نزعت عباءتها ونظرت نحوه بإشمئزاز....فتح عينه ورآها....نهض وأخذ يسعل ويبصق وهو يقترب منها.... - كنت فين يا حلوة....تعالي.... حاول أن يمسك بها فأفلتت منه وترنح وسقط أرضا..... - لمن بعت العقد يا حسان...... - أي عقد -عقد الفتاة التي سكنت في ذلك المنزل......العقد الذي سرقته ليلة أمس.. - أنا أسرق؟ ...أنا لا أعرف شيئا...أنا نظيف.......فتشيني... - لقد رأيتك وأنت تسرقه يا حسان...تتبعتك إلى هناك ورأيتك... وكأن كلماتها جعلته يفيق...نهض من عسرته وفي عينه الشر وتوجه نحوها مترنحا: - هل تراقبيني يا امرأة... وقفت تواجهه بتحد: قل لي لمن بعته وإلا سأبلغ عنك الشرطة وأشهد أنك من سرقته... - هل جننت يا امرأة ...وماذا يهمك في هذا الأمر من الأساس - لا لم أجن...ولكني أريد العقد.. - آه......كنتي تطمعين أن أهديكي إياه.....إنه غال جدا عليك يا امراة ...لا يتناسب مع أمثالك...إذهبي يا امرأة...لا تعكري على هذه الليلة......أمامك إختياران...إما أن تأتي بهدوء لتنامي في فراشي الليلة أو تذهبي من حيث أتيتي ...هيا نظرت له نظرة نارية وتلفعت بالعباءة وذهبت......ذهبت وسط ظلام الصحراء وهدوء الليل لا تنظر خلفها....

0 comments:

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com