الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠٠٨

غراب قابيل...وزقزقة العصافير

دخلت اليوم معملا غير معملي...هذا المعمل له شرفة بسور عريض وزميلتي التي تعمل به قد ملئت ذلك السور بأصص الزرع والصبارات ...وقد تعودت إذا تبقى منها طعام أن تضعه على الشرفة ليأتي الغراب ويأكل منه....منذ عملت بهذا المكان وكلما دخلت معملها صباحا ،أرى الغراب واقفا على شجرة قريبة ينظر للشرفة وكأنه منتظرا أن تضع له زميلتي الطعام كما تعود كل يوم...كانت تضع له ما يتبقى منها من سندوتشات الخبز شامي بالجبن ويبدو أنه قد تعود عليه فإذا غيرت له نوع الخبز أو وضعت له شيئا آخر كان يرفض أكله ويبقى الطعام كما هو لا يمس...كنت أراه في بعض الأحيان يقف على السور ويظل يزعق بصوته المميز إذا تأخرت عليه ولم تضع له الطعام صباحا كما تعود.... تعودت أنا أيضا على وجود هذا الغراب وقد كنت أكره الغربان بسبب شكلها وصوتها وبسبب ما يقال عنها من أنها نذير شؤم.. ولكني أحببت هذا الغراب وأصبحت متعاطفه معه ووجدت فيه كائنا لطيفا مستأنسا يألف للبشر فألفته... وأنا صغيرة كانت جدتي و أمي يحكيان لي حكاية الغراب والجبنة القريش...وهي تتلخص في فلاحة كانت تسير وهي تحمل على رأسها سلة مملوءه بالجبن القريش فرأها الغراب وكان جائعا فطار وخطف منها قطعة ووقف على غصن شجرة قريبة ليأكلها فرءاه الثعلب وكان مكارا وقرر أن يحصل منه على قطعة الجبن...فأخذ يمدح في الغراب ...في شكله ومشيته وشخصيته ثم مدح صوته وقال له أن صوته أحلى من صوت العصافير والبلابل وطلب منه أن يطربه ويغني له قليلا بصوته العذب الجميل . صدق الغراب المديح وقام بفتح منقاره يغني فوقعت قطعة الجبن منه وأخذها الثعلب سريعا وجرى بها وهو يضحك من الغراب الأحمق.... وهناك أيضا قصة لا أتذكر ممن سمعتها ولا أتذكر تفاصيلها بالضبط وذلك عندما مر الغراب في الغابة فرأى كل الطيور والحيوانات تسير بطريقتها الخاصة المميزة لها وكان غير راض عن مشيته – والتي كانت بالمناسبة مشية طبيعية لا حجل فيها وقتها، أي وقت الحدوتة – ثم قرر أن يقلد غيره من الطيور والحيوانات في مشيتها حتى يختار المشية التي تعجبه فكانت النتيجة أنه لم يستطع أن يمشي مثل الآخرين وأيضا نسى كيف كان يمشي من قبل فأصبحت مشيته متعثرة ومن يومها وهو يحجل في المشي.. ولا أنسى قصة قابيل وهابيل في القرآن في سورة لمائدة عندما بعث الله لقابيل غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري جثمان أخيه هابيل... يبدو أن الغراب يحتل الكثير من عالم القصص والحكي وهو بطل على الرغم من شكله وصوته المنفران ولا أدري من أين جاءت مسألة أنه شؤم...لا أتذكر الآن شيئا عن هذه المسألة.. المهم لم أكمل ماذا حدث عندما دخلت اليوم معمل زميلتي...كان الظهر قد أذن وكنت جالسة أحسب بعض الحسابات المتعلقة بالعمل ثم سمعت صوت زقزقة جميل...نظرت ناحية الشباك فوجدت بضعة عصافير جميلة ربما تسعة منهم يقفون على السور ويطيرون حول الزرع ويقفون عليه وتخطف مناقيرهم بعضا من الطعام الموضوع على السور وظلوا على هذه الحال وأنا أراقبهم وكانت المسافة بيني وبينهم صغيرة جدا ربما نصف المتر ودخل أحدهم من الشباك وطار قليلا في المعمل ثم خرج وحمل آخر قطعة كبيرة من الخبز بمنقاره وطار....هنا وفجأة وجدت العصافير كلها طارت مزعورة دفعة واحدة ولم أفهم سبب ذلك في البداية فقد كان المعمل خاليا ولم أفعل أي شيء يجعلهم يفزعوا ويطيروا ...ثم سمعت صوته...كان الغراب الذي خمنت أنه كان يراقب تلك العصافير من فوق الشجرة فرأها تأكل من طعامه ووجد أحدها وقد أخذ جزءا كبيرا من الطعام وطار به فقال لنفسه هذا إعتداء على أملاكي وتذكر حكاية جده مع الثعلب ورفض أن تضحك عليه شوية عصافير كما ضحك علي جده الثعلب المكار من قبل فطار وهبط على السور ليطرد المعتدين ويؤكد ملكيته للسور بما عليه من طعام .... أخذت أضحك من أعماق قلبي وأردد الدعاء (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)

0 comments:

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com