الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٨

في بيتنا يمام(سيرة ذاتية عن يميم ويميومة)

يميم ويميومة هما زوج من اليمام...يميم هو الذكر ويميومة بالطبع هي الأنثى..ليسا شخصيات خيالية بل هما نماذج حقيقية على أرض الواقع ...اختارا معملي وقررا في أوائل شهر مايو الماضي أن يستخدما مكان التكييف القديم المخلوع ليقيما فيه عشهما...تنبهت لوجودهما صدفة بعد أن مرت أيام كنت اسمع فيها صوت يميم العميق يتردد وأشعر أن هذا الصوت يأتي من مكان قريب جدا ولكني لا أستطيع تحديده...تخيلت في البداية أن الصوت يصدر من خارج المعمل حتى فوجئت يوما وأنا أنظر خلف الثلاجة بجسد الطائر يقف في الخارج على السور مكان التكييف الذي رفعناه للتصليح...بدأت استكشف الموضوع فوجدتهما قد اقاما عشهما على السور الضيق في ذلك المكان المختفي المنعزل البعيد عن حرارة الشمس...بدأت أتابعهما وقد ظلا في هذا المكان حتى نهاية منتصف شهر أغسطس ووضعا في هذه الفترة مرتين وأخرجا للعالم جيلين من اليمام الصغير...ثم تركوا المكان بعد حادث مؤسف... لن أتعجل الأحداث وأصل للنهاية سريعا...سأبدأ من البداية وأحكي كيف شاهدت هذان الطائران يعيشان ويتصرفان وما خرجت به من دروس وحكم لم أكن على دراية مسبقا أن لها مكان في عالم الطيور...والغريب أن كثيرا منها نفتقده في عالم الإنسان... يبدأ اليمام باختيار مكان العش واعتقد وإن كنت لا استطيع أن أجزم بأن الذكر هو من يحدد هذا المكان ويختاره ثم يأتي بالأنثى التي تجلس فيه ويظل هو متنقلا جيئة وذهابا يحمل لها الأعواد الجافة والأغصان الرفيعة والقش ...يحمله في منقاره ويأتي به إليها فتأخذه بمنقارها وتبدأ في ممارسة دورها في هذه المرحلة وهو توضيب العش الصغير وترتيب الغصون والأعواد وتعشيقها في بعضها البعض في شكل دائري حلزوني بديع وفريد من الخارج للداخل...تبقى يميومة في المكان لا تغادره ...كلما نظرت أجدها موجودة ولا أدري كيف تأكل وتشرب ...هل هو من يأتي لها بالطعام أم أنها تطير للحصول على بعضه في أوقات غير تلك التي يسمح بها وقتي في المعمل بمتابعتها؟ لاأدري..بينما يظل يميم على حاله جيئة وذهابا يحمل الأعواد والأغصان يعطيها لها ويرحل ويظل هذا هو الوضع حتى إكتمال بناء العش.. وهنا كانت أول ملاحظة لاحظتها في عالم هذان الطائران ...ملاحظة تدل على الفطرة التي فطر الله المخلوقات عليها والتي يمارسها هذان الطائران دون تفكير أو وعي ...الرجل في عالم الفطرة هو المسئول عن تأمين مكان الزواج للأنثى بداية من اختياره وحتى بذل المجهود العملي والفعلي والأكثر مشقة لتأثيثه وتوفير كل ما يتطلبه هذا البيت ليصبح جاهزا للزواج وهو الذي يعمل خارج البيت ويعتبر هذا دوره الأساسي. أما الأنثى فكل ما يتطلبه دورها في تلك المرحلة أن تشارك بذوقها وحسها الفني في توضيب وترتيب البيت وكل مجهودها يكون داخل البيت وليس خارجه... بعد أن يكتمل بناء العش ترقد الزوجة وتظل قابعة في العش أوقاتا طويلة ويأتي الزوج كل فترة ليراها ويتحدث معها ثم يطير من جديد...ولا أدري هل يأتي لها بطعام في منقاره لتأكل أم تطير هي سريعا للبحث عن الطعام وتعود...ولكني لم أرها في تلك المرحلة تطير إلا نادرا جدا هذا إن حدث... يبقى الوضع هكذا حتى تضع البيضة الأولى وبعدها بيوم تضع الثانية وهنا تبدأ مرحلة جديدة...تتناوب هي والزوج دوريات الرقود على البيضتين..هي ترقد عليهما ثم يأتي الزوج ليحل محلها وتطير هي للطعام والشراب ثم تأتي فيذهب هو وهكذا...وكانت هنا ثاني ملاحظة لاحظتها ألا وهي تلك المشاركة والتعاون الجميل بين الزوجين وتبادل الأدوار بينهما...لا توجد معاني من الأنانية أو السلبية.أو الإتكالية..هما معا يعملان على هدف واحد..رعاية الصغار قبل وبعد خروجهما للحياة.....وهذه الملحوظة تأكدت منها في كل المراحل التالية حيث لاحظت أن الزوج لا يتوقف دوره عند إحضار مستلزمات المنزل والعمل خارجه فقط ولكنه يعمل بجوار الأنثى داخل العش منذ مرحلة وضع البيض ثم فقسه وحتى يطير الصغيران ...هما معا يتبادلان الرقود على البيض ويتبادلان المكوث مع الصغار في بداية المرحلة التي تلي خروجهما من البيض ويتبادلا إحضار الطعام لهما وإطعامهما ويتبادلا منح الصغيران كل الرعاية حتى يطيران ويصبحا مستقليين بحياتهما.. وقد لاحظت في خلال ذلك فرق مهم بين الذكر والأنثى..فالأنثى حينما تكون راقدة على البيض لا تطير وتتركه بسهولة إذا اقترب من العش أحد إلا إذا تأكدت أن هناك تهديد حقيقي هنا فقط تطير وتبقى على مقربة من المكان حتى تشعر بالأمان من جديد وتعود ...ولكن الذكر ماإن يلمح أي حركة أو يسمع أي صوت لا ينتظر..يطير على الفور في ذعر ولا يعود من جديد إلا إذا عادت أنثاه..وربما يشبه هذا المثل القائل (الزوجة تعشش والزوج يطفش)..ربما.. فسبحان الله الذي خلق غريزة الأمومة في تلك المخلوقات وجعلها تتصرف تبعا لها بدون أي وازع لعقل تفتقد إليه أصلا...فهي لا تتحرك ولا تتصرف إلا بالفطرة والغريزة وحدها وهذا يثبت أن الأم هي أم حتى من قبل أن تنجب ولكن الأب لا يكون أبا إلا بعد أن يأتي الطفل كائنا حيا ملموسا في هذا العالم... لن أعلق أو أعقد مقارنة بين هذا العالم وعالمنا نحن بني البشر ...لو علقت لن تكون النتيجة لصالح الإنسان الذي ميزه الله بالعقل على سائر مخلوقاته ....لقد بدأت أظن بعد متابعة هذه المخلوقات أن العقل الذي نحمله قد شوه الفطرة أو أن العقل في صراع مع الفطرة والغريزه أيهما ينتصر..وسبحان الله الذي يهدي الإنسان لأوقات يكون فيها العقل هو الذي يجب أن يغلب الفطرة ة والغريزة وأوقاتا أخرى تكون فيها الفطرة هي الغالبة...وسبحان الله الذي يمنح الإنسان الحكمة ليميز بين هذه الأوقات وتلك فيتصرف وينفعل ويفعل بشكل يتناسب مع الأمر والحدث...وسبحان الله في بني آدميين يفعلون العكس تماما...يملكون نعمة العقل ولكنهم لا يجيدون إستخدامها فيشقوا بها ويضيعوا حس الفطرة الذي وضعه الله بداخلهم...أو أن هناك أسباب أخرى معقدة مثل العيش والعيشة واللي عيشنها...العولمة والدش ..الحالة الإقتصادية والدمار الإقتصادي الذي ألم بكل دول العالم حتى أمريكا التي لا تقهر...قهرتها الهزة الإقتصادية وزلزلت بورصتها...ربما هذه الأسباب الأخرى المعقدة والمتداخلة هي من هزمت الفطرة بداخلنا وشوهت الكثير من المعالم التي يجب أن تكون في عالم الرجل والمرأة حين يتقابلان لصنع بيت وأسرة وأطفال ... المهم نرجع ليميم ويميومة تاني...بعد اسبوعين كاملين من ميعاد وضع البيض تفقس البيضتان ويخرج طائران صغيران لهما رأسان كبيران جدا وعيون تحتل مساحة كبيرة من الرأس ونموهما يكون ناقصا لحد ما فالهيكل العظمي لهما رخو جدا فلا يتمكنا من رفع رقبتهما بشكل كامل وسليم ولا يتمكنا من الوقوف على قدميهما ودائما نائمين إما في وضع متجاور أو يجلس كل منهما عكس الآخر وفي هذه المرحلة يقل تواجد الأم في العش نسبيا فهي تتبادل مع زوجها البحث عن الطعام من أجل إطعام الصغيرين الذين يتناولان الطعام بإدخال منقاريهما في منقار الأم أو الأب. بعد يومين يشتد عود الصغار قليلا فيتمكنا من الوقوف والتحرك في العش قليلا وكلما مرت الأيام يكبران سريعا حتى يصبحان في نهاية الأسبوع الأول وقد صارا على مشارف مرحلة النضوج وكسى الريش معظم جسديهما وصارا أقوى..وغالبا يفوق أحدهما الآخر في القوة الجسدية وعندما يحين وقت الطعام يتشاجران معا من يصل لمنقار الأم أولا وطبعا يكون للقوي الغلبة في كثير من الأحيان... نبدأ في سماع صوت زقزقتهما التي تشبه في تلك المرحلة صوت كتاكيت الدجاج وفي هذه المرحلة يقل كثيرا وجود الأم في العش فهي لا تأتي إلا على فترات مع الأب ليطعما الصغار ثم يطيران سريعا... في نهاية الأسبوع الثاني يكون قد اقترب موعد طيران الصغيران وتركهما للعش.. قد أصبحا الآن نسخة مصغرة من الأم والأب وإن كان الزيل صغيرا والريش لم يكتمل تماما ولكن لهما جناحان يضربان بهما الهواء في تدريب على المرحلة المقبلة وهي الطيران...وفي هذه المرحلة التي تسبق الطيران مباشرة يترك الصغيران العش ولا يمكثان فيه كما كانا يفعلان من قبل بل يجلسان خارجه على السور ويتجولان جيئة وذهابا ويزقزقان عند اقتراب الأم والأب حاملين الطعام في مناقيرهما..ويظل الأب والأم يأتون للعش مادام الصغار فيه ويطعمونهما حتى يأتي وقت يطير فيه الصغار وعندما يأتي الأب والأم ولا يجدونهما يتوقفا عن المجئ لفترة قد تصل لثلاثة أسابيع ثم يأتون من جديد لوضع جيل جديد من الصغار وتعود الكرة من جديد... خلال تلك الحياة حدث لذلك الزوج حادثان أليمان أولهما كنت أنا السبب فيه والآخر كان من مجهول.. الأول كان مع الجيل الثاني فبعد أن وضعت الأم البيضتان كنت أنظر لهما وأقوم بتصويرهما فتسببت بدون قصد في كسر أحدهما..وهكذا حرمت الزوجين من أحد أبناءهما وأشعرني هذا بذنب عظيم.. والحدث الثاني كان بعد أن طار ابنهما من الجيل الثاني وبعد أن بدءا يترددان على المكان ليضعوا بيضا جديدا..يبدو أن أحد العاملين في المكان رءاهما وأمسك بيميم...عرفت ذلك عندما جئت في اليوم التالي ووجدت ريشا متناثرا في المكان وعلى السلالم ورأيت الزوجة تأتي وحيدة لتتناول الحب الذي أضعه لها... ولكن لم تمضي أيام حتى وجدت لنفسها وليفا ولكنهما لم يعيشا في نفس العش..يبدو أنهما صنعا واحدا آخر في مكان آخر وهذا ما جعلني أعتقد أن الزوج هو المسئول عن اختيار المكان أو تكون الزوجة قد تشاءمت من المكان فقاموا بتغييره...لا أدري.. المهم أني ماعدت أراهما بعد ذلك وكان هذا في منتصف أغسطس الماضي تقريبا ...أضع لهما الحب على السور وبعد يومين أجده قد أختفى فأفهم أنهما قد جاءا لتناول الطعام ثم ذهبا ولكني ما عدت أراهما... اشتقت إليهما كثيرا....في العشر الوسطى من رمضان الماضي اكتشفت عش آخر في مواجهة بلكونة حجرة نومي ...اكتشفته من زقزقة الصغير الذي بدا أنه قد شارف على الطيران وترك العش...وبعدها بيومين وعندما كنت أفتح البلكونة صباحا وجدت الصغير وقد طار وهبط على سور البلكونة ووقف هناك ينظر لي ...شعرت بسعادة لا حد لها ووقفت أنظر له ووضعت له بعض الحب ...عندما حاولت الإقتراب منه لم يهرب سريعا ظل واقفا حتى أصبحت على مسافة قريبة جدا ثم طار ...في اليوم التالي كان الحب قد أختفى ففهمت أنه عاد وأكله.... من يومها وأنا ألمح طيور اليمام في كل مكان أسير فيه وأسمع صوتهم العميق وخاصة في الصباح الباكر...أشعر بها تحيط بي وتونسني ....فقط أتمنى أن يعيش زوج آخر بالقرب مني من جديد...
الصورة الأولى على الشمال هي اليمامة التي وجدتها في بلكونة حجرتي والصورتان الأخريتان في المعمل أحدهما للبيضة التي تبقت بعد أن كسرت أختها خطأ( الجيل الثاني) والأخرى ليميومة تجلس على بيضتها
أما الفيديو للصغير يأكل من منقار أمه

0 comments:

 
template by suckmylolly.com flower brushes by gvalkyrie.deviantart.com