(20)
قضى صخر اليل يفكر...في الصباح ذهب لجده وجلس معه طويلا...
- ليس أمامنا إلا خياران يا جدي......إما أن نقول نحن الحقيقة للناس أوسيقولها حسان....أو أن نرضخ له ويظل يهددنا طوال عمرنا...
ظل الجد صامتا يفكر
- مارأيك يا جدي؟
- كان قدوم هذه الفتاة وبالا علينا
- مانقترفه بأيدينا هو ما يسقط الوبال علينا ياجدي...
- إذن أنا المسؤول؟.
- الوقت يمر يا جدي....مهما كانت عواقب أن نقول للناس الحقيقة فهي أفضل من أن نضع أنفسنا تحت قبضة حسان
مازال الجد مترددا.....نظر له صخر: الست مقتنعا بصواب ما فعلته قديما يا جدي؟
- بلى.
- إذن فلم تخشى مواجهة الناس؟
نظر له جده نظرة طويلة وقد أدرك أن حفيده قد أوقع به بلعبة زكية لن يستطيع منها فكاكا...فإما أن يعلن على الناس الحقيقة ليثبت إيمانه بصواب ما فعله أو يتردد فيشعر حفيده بشكه في إقتناعه بما أقدم عليه قديما ...وفي كلتا الحالتين سيحقق حفيده الهدف الذي يطمح إليه......كيف تمكن هذا الولد أن يصبح هكذا في هذه السن الصغيرة......ولماذا يتعجب وهو من قام بتربيته وتنشأته...
- ماذا قررت يا جدي؟
أسقط الشيخ رأسه على صدره وقال في آسى:
- قد يطالب الناس بعزلي عن زعامة القبيلة لأني خبأت عنهم ما حدث طوال تلك الفترة ولم أنزل بأمك العقاب المفروض وهو القتل ...سيقولون أني خنت عهود أجدادي وتكتمت الأمر حتى لا يعرفون الحقيقة ..هل ترضى هذا لجدك
- لن يفعلوا يا جدي...وحتى لو حدث فسيحدث بشرف بدلا من أن يحدث بخسة على يد حسان..
نظر له جده وقد أسقط الأمر في يده: حسنا.......حسنا يا ولدي...سأجمع الشيوخ وأخبرهم بهذا القرار وبعدها نجمع الناس ونخبرهم...سأفعل ما تريد...ولكني بعدها سأتنازل عن مكاني لك.
-لا يا جدي
- لن أنتظر حتى يقيلني الناس....ثم هذا أفضل....أنت الآن تستطيع ذلك ...
نظر الجد لصخر في عمق عينيه :..وحتى تتمكن من تنفيذ ما تريد بخصوص أختك دون أن تضطر أن تفعل ذلك في الخفاء
ارتبك صخر ولكنه حافظ على هدوءه وثباته
- ماذا تقول يا جدي؟
- هل تظن أني لا أعرف ما تنوي فعله؟....ستتركها تذهب وستزوجها لذلك الشاب الذي جاء يطلب يدها مني...فلتفعل ذلك في العلن أمام كل الناس ولتواجه بنفسك الموقف لتعلم هل كان عندي حق قديما أم لا..
- الزمان يتغير يا جدي ...ماكان يرفضه الناس قديما قد يوافقون عليه اليوم..
- هذا يعني أن لا يصبح لقبيلتنا كيان.......إذا سمحت لأختك بالزواج من أجنبي ستفعل كل الفتيات مثلها...سيمتد الصراع بين الأهل والأبناء إلى الأبد.....سيفقد هذا المكان ما كان يتميز به من خصوصية ونقاء في السلالة وإحتفاظ بالأعراف والمواريث......تحمل أنت مسؤولية هذا كله....أريد أن أرى قبل أن أموت ماذا ستفعل وكيف ستتصرف في كل هذا.
صمت صخر وقد فاجأه قرار جده بالتخلي له عن الزعامة وفاجأه كلامه....ولكن هذا لم يغير قناعاته فيما ينوي فعله.....
- جدي...إذا كان التغيير حتميا فليحدث الآن بإختيارنا قبل أن يحدث فيما بعد غصبا عنا...هذا ما أومن به
- إذن فاذهب نفذ ما قلته لك...اجمع الناس والشيوخ وليكن ما يكون....
-------------------------
وقف الشيخ في الساحة الكبيرة وحوله باقي شيوخ القبيلة وبجواره صخر ومهرة .......تحدث إلى الناس وأخبرهم بكل الحقيقة وبدوافعه وقتها وكيف أنه كان يحاول الدفاع عن تقاليد القبيلة وشرفها ولكن في ذات الوقت لم يطاوعه قلبه أن يقتل ابنته وطفلتها فرتب الأمر كما رأى وكتمه عن الناس...وأنه اليوم بعد أن عادت حفيدته تبحث عن أهلها شعر أن ميعاد كشف الحقيقة ومصارحة الناس بها قد جاء...وهو يترك الأمر لهم ولحفيده صخر منذ هذه اللحظة وقرر أن يقضي ما تبقى من عمره شيخا كباقي الشيو خ يقدم خبرته ونصحه لهم ويترك لهم القرار..
استمع الناس له ....وبعد أن انهى كلامه ساد الصمت كأن على رؤوسهم الطير.......
تحدث صخر: لا أريد أن يتنازل جدي لي ...ولكنه يصر لأنه يخشى أن تنادوا بعزله بعد أن سمعتم الحقيقة....ولكني أنا نفسي أخشى أن ترفضوني وتنادوا بأن يبقى جدي في مكانه زعيما وشيخا لنا فهو دائما كان خير قائد لقبيلتنا وما فعله مع أمي أراد به أن يتبع الأعراف التي تسقط حق الفطرة والدين والشرع الذي يقر الزواج الحلال متى توفرت شروطه ولكن تلك الأعراف لم تتمكن من فطرة الأب والجد بداخله فلم يتمكن من قتل أمي...من جهتي أرى أن ما فعلته أمي لم يكن خطيئة وأرى أن هناك بعضا من أعرافنا يجب أن تتغيير ...تلك الأعراف التي تتنافى مع الدين والشرع والفطرة التي فطر الله الناس عليها ....الأن أنا وجدي أمامكم...لكل منا طريقه وأسلوبه المختلف عن الآخر....ومن حققكم أن تقرروا...
سرت همهمات بين الناس .....قطعه صوت سيارة بوليس تقترب..
نظر الجميع تجاهها.....توقفت وهبط منها ضابطا اتجه نحو الشيوخ: من شيخ القبيلة؟
تبادل الجميع النظرات بين صخر وجده...تقدم صخر وأشار لجده: الشيخ صابر....
نظرله جده بدهشة: مازلت كذلك يا جدي حتى يقول الناس رأيهم
اقترب الضابط من الجد: هل حسان عامر من أهل هذه القبيلة؟
- نعم..ولكنه مطرود منها؟
- لقد وُجد منتحرا في عشته هذا الصباح......كان بجواره هذه الرسالة.
تقدم صخر من الضابط..: هل أنت متأكد من أنه انتحر يا سعادة الضابط.
- لقد وجد مشنوقا ولم نجد أي آثار لعنف كما أن الرسالة التي تركها تدل على ذلك
- هل من الممكن أن أقرأها.
أعطاه الضابط الرسالة: لقد انهيت حياتي لأني لم استطع الحياة بذنوبي ...اعترف أني قد آذيت كثيرا من الناس وأعترف أني من دسست لزوج أمي الحشيش وكنت السبب في دخوله السجن.. ...لم أعد أحتمل..سأقتل نفسي لأرتاح...وسامحوني كلكم.
- هل كانت له عداوات..ربما كان حادث الإنتحار مدبرا
- كما قرأت يا سيدي لقد آذى الكثير ولكن العلم عند الله
- من حسن حظ زوج أمه أنه مازال في السجن ...سيخرج اليوم...لولا ذلك لكان المشتبه الأول في قتله
تبادل الجميع النظرات الحائرة...
- نريد أن تأتي أمه للتعرف عليه ونريد أن يحضر شيخ القبيلة ليدلي بأقواله في المحضر
- سنفعل ..
مضى الضابط واقتربت مهرة من صخر: هل تصدق ذلك...انتحر؟
- بل قتل..
- صخر هل أنت..
- لا تكوني مجنونة لست أنا....ولكن هناك من فعلها وأراحنا منه للأبد...
- والآن ماذا سنفعل
- سأستأذن جدي أن تعودي وأنا معك للمدينة...سأستأذنه أن يوافق على زواجك من ذلك الفتى..
- هل سيوافق؟
- لا تقلقي.....سيفعل....سأقنعه.
غمز لها بعينه وابتسم......ابتسمت له في صفاء...شعرت لأول مرة منذ وفاة والدها أن لها أهلا......كان صخر أهلها.....وجعل هذا دفقة ضخمة من الأمان تسري في عروقها وتشعرها بالراحة والإطمئنان...لقد أصبحت سعادتها كاملة....... لا ليس بعد.....فعقد أمها قد ضاع للأبد وذهب مع موت حسان...لن تعرف لمن باعه ولن تستطيع أن تسترده...طافت بخيالها ذكرى أبيها فهمست في أسى: سامحني يا أبي...
0 comments:
إرسال تعليق